عبرة لقصة اعجبتني من قريتي
بعد فراق دام اكثر من 25 عاما، التقيت بصديق عزيز لي في احدى المناسبات، حيث افترقنا لانه عمل خارج البلاد طوال هذه المدة ،و بعد حديث طويل في مجالات متعددة و ذكريات جميلة، قال لي انه كتب مسرحية في احدى المدارس التي عمل فيها في السعودية حيث كان يعمل، و حازت مسرحيته على جائزة قيمة ،و كانت فكرتها تدور حول قصة سمعها من عم له يسكن في القرية التي نحن منها ،و هي ( دورا من قضاء الخليل ) .
تدور الحكاية حول شيخ محترم لإحدى العائلات، و في احد الايام جاء رجل بدوي رقيق الحال ،يطلب عملا ايا كان ،و قال انه يجيد صنع القهوة ،و اشعال النار ،و تسريج الخيل ،و اعمال الحراسة،و اخيرا وافق له الشيخ أن يعمل عنده. بعد عدة اشهر سافر هذا الشيخ في مهمة خارج القرية، و كان اخوه هو رجل البيت من بعده ،و ذات يوم حصل سوء تفاهم بين البدوي و شقيق الشيخ ، وقام شقيق الشيخ بصفع البدوي على وجهه، فتوعده البدوي بقطع يده التي امتدت عليه من الكتف و غادر عائدا لمضارب أهله .
عند عودة الشيخ علم بالقصة فإشتاط غضبا كيف يصفع رجل غريب في بيته و تهان كرامته ، و فورا ذهب للبحث عن الرجل، و أخيرا إهتدى إلى مكانه ،و كان شيخ قبيلته رجلا محترما و معروفا، و عندما وصله شيخنا رحب به أجمل ترحيب و قام بواجب الضيافة فرفض إلا أن يلبى طلبه .
كان الطلب هو الأخذ بخاطر الرجل الذي صفعه شقيقه على وجهه، و عند ذلك اعتبر الشيخ أن الموضوع بحكم المنتهي، وأنه كفيل على ذلك ، لكن شيخنا رفض ذلك تماما و أصر على ان يذهبا معا لذلك البدوي.
عند وصولهم البيت لم يرحب بهم كما يفعل العرب عند إستقبال ضيوفهم، فكانت صدمة بالغة لهم , و عندما تحدث معه شيخ قبيلته، رفض كل ذلك و اصر على ان يأخذ حقه بقطع يد ذلك الرجل من كتفه، و لا شيء في الدنيا يعادل ذلك عنده .
عرض عليه العديد من الغنم و الماعز بدل ذلك، و لكنه رفض مع انه رقيق الحال و لا يملك الا 3 مواشي ووصل العرض للعشرات و لكنه رفض.
عندما راي شيخنا ذلك و علم ان هذا الرجل مصمم على اخذ ثأره، اقترح عليه بما انهم أشقاء وهو يسد عن اخيه و ذلك بان تقطع يده ( اي يد الشيخ ) من الكتف بدل ان تقطع يد الأخ .
في النهاية وافق على ذلك و نزع شيخنا ملابسه العلوية ،و مد يده للقطع ،و هنا استل الرجل البدوي سيفه و هم بالقطع , لكنه و عندما رأى ان الشيخ كان جادا و لا يناور ، عفا عنه ، وقال :الآن اخذت حقي و شفيت غليلي، و عادت لي كرامتي و أعد لهم وليمة غداء و أكرمهم و سامحهم .
العبرة في هذه القصة ،ان الرجل العربي الحر عندما تهدر كرامته لن يستقر و لن يستريح حتى يأخذ حقه ،و عندما يحصل على ذلك ربما يعفو لان العفو عند المقدرة .
استغرب و اتعجب من انسان فقير الحال ،و ليس له اي شيء من متاع هذه الحياة الدنيا الا ارادته لاسترداد كرامته ، و في المقابل نرى أمة عربية كاملة من المحيط الى الخليج تسلب كرامتها و مقدساتها و بلادها، و لا يوجد فيها قائد عنده مقومات ما عند ذلك البدوي العربي .
كل ما اتمناه قبل ان اغادر هذه الدنيا ان افرح بقائد عربي يعيد لهذه الأمة كرامتها و عزتها ،و ذلك بانهاء هذا الاحتلال الصهيوني الذي هدر كرامتنا جميعا و سلب مقدساتنا و احتل ارضنا ،مع يقيني الكامل بانه سياتي يوم ، ان شاء الله سيكون قريبا، لاسترجاع هذه الكرامة و هذه العزة لهذه الامة، بعودة فلسطين الى حضنها الفلسطيني- العربي –الاسلامي- الانساني , و لا يحتاج ذلك الا الى قائد روحه كروح العربي البدوي صاحب قصتنا السابقة، ليخلده التاريخ كما خلد من قبله سيدنا عمر بن الخطاب عندما فتح القدس، و كما خلد صلاح الدين الايوبي عندما استرجعها من الصليبيين،و كما هو المعتصم بالله الذي لبى صرخة امرأة مسلمة واحدة هدرت كرامتها .