«حالة وفاة»

تم نشره الإثنين 20 أيّار / مايو 2013 03:27 صباحاً
«حالة وفاة»
عريب الرنتاوي

يكفي أن تقول «عنّا حالة وفاة»، حتى تُسقِطَ عن نفسك اللائمة لخرق أي التزام، والتخلف عن أي موعد، أو إدارة الظهر لكل عهد قطعته على نفسك، حتى لو كانت كلفة التملص من الالتزام باهظة على الطرف الآخر، ومحرجة له. ذات كنا على موعد مع مؤتمر إقليمي في اسطنبول، يومها اصطحبنا عدداً من الكتاب والمثقفين للإدلاء بدلائهم، ولقد بعثنا بأسمائهم وسيرهم الذاتيه وعناوين مداخلاتهم، وأدرجنا مع شركائنا هناك كل هذه المعلومات في «برنامج عمل المؤتمر» و»الوثيقة التعريفية بالمشاركين»..حُجِزت المقاعد و»قُطِعت» التذاكر، واستؤجرت الغرف في الفندق..أحدهم قبل ثلاث ساعات من الرحلة اعتذر لأن «حالة وفاة» قد وقعت في العائلة..أما الثاني فلم يكلف نفسه عناء الاعتذار، لنعرف بعد عودتنا، أنه هو الآخر واجه «حالة وفاة»، لا أراكم الله مكروهاً بعزيز.

قبل أيام، كنّا على موعد مع ثلاثين نائباً للذهاب إلى البحر الميت لتبادل خبرات برلمانية مع زملاء وأشقاء من المغرب وتركيا..عشرون فقط أكملوا مشوارهم..بعضهم اعتذر مسبقاً بسبب «حالة الوفاة»..ومن تغيب من دون معذرة، عرفنا لاحقاً أنهم يمرون بتداعيات «حالة وفاة»..بقيت غرفهم في الفندق فارغة، يصفر الريح بين جنباتها، وظلت أسماؤهم و»باجاتهم» على المنضدة الجانبية للمؤتمر، من دون أن يتسلمها أحد.

في تجوالنا بمحافظات المملكة المختلفة، طوال السنوات الماضية، تعرضنا لغيابات مفاجئة متعددة، لكتاب وسياسيين وقادة أحزاب ومثقفين..دائما كانت الحجّة «حالة وفاة»..حتى أننا بتنا نعرف ما الذي سيقوله ضيفنا المُتغيب من دون معذرة، وفي تسعين بالمائة من الحالات، كنّا على صواب في استنتاجاتنا: «حالة وفاة»، لدرجة أن أحد الزملاء تساءل ذات يوم: «لماذا لا يتوفى الأردنيون إلا قبيل لحظات من ندوة هنا أو مؤتمر هناك؟..هل هو من سوء طالع الضيوف أم من سوء حظ الأنشطة التي ينوون المشاركة فيها؟..هل هو سبب حقيقي، أم ذريعة نتذرع بها للتخلص من «حرج» المشاركة في الأنشطة العامة؟..هل بلغ الأردنيون حد الإشباع من «العمل العام»، إن كان الحال كذلك، لماذا نلحظ «تواضعاً» في مستوى وسوية العمل العام، أقله من الناحية السياسية والفكرية والمعرفية؟.

ولكي لا نظلم النشطاء والسياسيين والنواب وقادة الرأي، يتعين علينا أن نعترف بأن «كلفة» العلاقات العامة، على من يعمل في العمل العام، تبدو مرتفعة جداً ومرهقة للغاية، في مجتمع صغير وعشائري..أذكر ذات يوم في مكتب الصديق د. ممدوح العبادي، أنه تلقى خلال نصف ساعة فقط، قضيتها معه، ثلاث دعوات لـ»جاهات كريمة»، فضلاً عن تذكيره بأكثر من «واجب عزاء» يتعين عليه القيام به»، فهناك دائماً من لديه «حالة وفاة».

من يتتبع تكرار «حالات الوفاة» يظن أن الوضع الصحي في الأردن في تدهور مستمر، مع أن متوسط أعمارنا في ارتفاع، وخدماتنا الصحية والطبية في انتشار، والأطفال لم يعودوا يتوفون في سنٍ مبكرة، والنساء نجون من حالات الوفاة أثناء الولادة..ومع ذلك، لا يكاد ينقضي «مؤتمر» أو «ندوة» من دون أن يسجل «حالة وفاة»..هل يذهب الأردنيون جميعاً إلى «حالة الوفاة»؟..أم أن كثيرا من حالات الوفاة هذه، هي «افتراضية»، ويتم التذرع بها للتملص من التزام، أو للغياب عن نشاط؟!.

صار من السهل علينا، نحن خبراء «حالات الوفاة» أن نميز بين الحقيقي منها و»الافتراضي»..فعندما يقول لك شخص إن أبي أو أخي أو أمي (توفاه /:أو توفاها) الله، تدرك أن الرجل صادق فيما يقول، وتنتقل مباشرة إلى تقديم واجب العزاء، بل والاعتذار عن الدعوة أو التذكير أو الإلحاح..أما عندما يكتفي بعبارة «عنّا حالة وفاة»، فإنت تعرف أنها من باب «لزوم ما لا يلزم»، فلا تكلف نفسك عناء السؤال عن المُتوفى أو «أخذ خاطر» محدثك.

لدينا عزوف عن العمل العام، وهي مشكلة لا تتصل بالشباب والنساء والفئات والمناطق المهمشة فحسب، بل مشكلة النخبة والطبقة السياسية والثقافية والفكرية في البلاد..لذا نسمع كثيرا من الجعجعة ولا نرى سوى قليل من الطحين. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات