أصدقاؤنا أنصار "الثورة" السورية

درجت العادة، في العالم كله، أن يكون الموقف الأخلاقي من نصيب الثورات وأنصارها. والعكس بالعكس، أي أن يكون نصيب خصوم الثورات من القيم الأخلاقية قليلا.
بل إن الثورات عادة ما تستند حصرياً الى قيمة أخلاقية عليا تعمل كعنصر رئيسي في قيامها، وذلك حتى لو لم تحقق هذه الثورة أهدافها. إن كثيراً من الحركات الثورية بدأت وهي لا تملك من مقومات الثورة إلا تلك القيمة الأخلاقية، ثم شقت طريقها، وبحثت عن باقي المقومات المادية وغير المادية، فانتصرت حيناً وفشلت أحياناً كثيرة. ويمكن في الواقع النظر الى سيرة الثورات باعتبارها سيرة موازية لسيرة القيم الأخلاقية العليا.
هذا الوضع هو ما كان يجعل الثوار وانصارهم يتمتعون بدرجات عالية من اليقين والسكينة والسمو في سلوكهم العام. صحيح أنهم ثوار وأنصار ثوار، وهو ما يعني أنهم في حالة غضب وتحفز وغير ذلك مما تتطلبه الثورة، لكن ثورتهم وملحقاتها السلوكية تلك، تكون في وجه عدوهم فقط، وسرعان ما تتحول خارج ساحة المواجهة الى رفعة ورحابة صدر وسعة أفق وتسامح. كيف لا، وهم يستندون الى قيمة أخلاقية مطلقة؟ إن الثائر يشفق على محاوره الذي يحمل وجهة نظر مخالفة. إنه يتألم عندما يرى الآخرين لا يكتشفون ما اكتشفه، ولهذا اخترعت الثورات مصطلح "الوعي المزيّف" كي تجد مخرجاً لخصومها.
من سوء حظ الشعب السوري أن "ثورته" تختلف كلياً عن باقي الثورات في هذا المجال، فمنذ الأسابيع الأولى، أخذ المكون الأخلاقي يتراجع بالتزامن مع سيطرة أطراف (خارجية خاصة) ليس لها من الأخلاق نصيب، وتكفي نظرة الى مكونات حلف "أنصار الثورة" ومموليها وقادتها الحقيقيين. لكن من المتوقع أن الصراع الاجتماعي الحقيقي والتضحيات الشعبية السورية الحقيقية سوف تحتاج الى عملية إعادة اعتبار سياسية واجتماعية ثقافية كبرى، وتلك مهمة مستقبلية بامتياز عند أشقائنا السوريين وعندنا أيضاً.
في الأردن، علينا أن نعترف بالتنوع الشديد في دوافع مناصري "الثورة" السورية. وهو ما يعني، في المرحلة القادمة، ضرورة تمتع فريق خصوم الثورة (يا للمفارقة!) بالكثير من سعة الأفق وبُعد النظر، فالمعركة أوسع وأهم مما هي في ظاهرها. ( العرب اليوم )