المسؤول بين النقد ومسح الجوخ
![المسؤول بين النقد ومسح الجوخ المسؤول بين النقد ومسح الجوخ](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/22619.jpg)
يستفزني عندما أقرأ رداًَ لمسؤول على نقدٍ وُجِّهَ له أو لدائرته قوله: يا حبذا لو تذكرون الإيجابيات والإنجازات كما تذكرون السلبيات!!
وكأني بالمسؤول يُريدُ من الصحافة والإعلام أن تُسبحَ بحمده كلما أنجز مهمة أو أشرف على عمل، أو أفتتح مشروعاً، أو حتى وقَّع كتاباً، أو استقبل مراجعاً، ونسي سيادته أنه يعمل وِفقَ عقدٍ بينه وبين المجتمع، ويتقاضى أجراً مقابل عمله، ولا يعمل تطوعاً ولا منَّةً ولا فضلاً منه، فإن أحسن وعمل فقد أدى واجبه وحللَّ راتبه، وإن أساء أو قصَّرَّ فهو يستحقُ النقدَ والمتابعة والمراقبة لأنه أخلَّ بشروط العقد، ولا يحق لمسؤول أن يستجدي مدحاً أو شكراً من أحد جرَّاء عملٍ هو من صميم واجباته وحق المجتمع عليه.
ولتقريب الصورة، هل لو أشتريتُ إصبعَ حلاوةٍ من بقالة أبي السعيد، أو كرتونة راحة حلقوم من بقالة أبي صقر يجب أن أقدم له آيات الشكر والتقدير والإعجاب، فما دمتُ قد دفعتُ ثمن ما أشتريتُ فليسَ له عندي شيءٌ، فإن شكرته من باب الجيرة والعشرة فبها ونعمت، وإن لم أفعل فما أظنه يغضب أو يعتب!!
إن المسؤول الذي يستجدي المدح والشكر هو مسؤول لا يُدرك متطلبات وظيفته، وحجم مسؤولياته، والتبعات الملقاة على عاتقه، مسؤول اختلط عنده حب الذات والوجاهة وحب الظهور مع واجباته الوظيفية، فلم يعد يفرق أو يفصل بينها.
إن المسؤول يستحق الشكر والإشادة إن جاء بما لم تأت به الأوائل، أو أنجز شيئاً عظيماً، أو اجترح عملاً رائعاً، أو أنفق من جيبه على عمله، هذا المسؤول عملة نادرة يجب أن يُحتفى به، ويُكرَّم، أما المسؤول الذي لا يقوم إلا بالحد الأدنى من واجبات وظيفته ثم يرجو مدحاً ويطلب أن نطبل ونزمر له، ونطلق الألعاب النارية، فهو يريد منا أن نكون ماسحي جوخ، وأن نتمسح بأعتابه، وأن نكون في جوقة المنافقين والمداهنين على حساب الوطن والمواطن.
إن النقد البناء الموجه نحو أعمال المسؤول وسلوكه الوظيفي واجب كل مخلص في هذا الوطن، ومن متطلبات المواطنة الصالحة، بعيداً عن التجريح الشخصي والشتم والذم والقدح، وبعيداً بالتأكيد عن الشخصانية وتناول حياة المسؤول الخاصة مهما كانت، فنحن نتعامل مع مسؤول موظف في خدمة المجتمع، ولا تهمنا حياته الخاصة بشيء، ولا تضرنا سلوكاته مهما كانت إن نأى بها عن عمله ووظيفته.
ومن واجب المسؤول أن يتقبل النقد والنصح، وأن يشكر من يكشف خللاً ما في أعماله، وأن يقدر عالياً من يهديه عيوباً وظيفية تضر بالوطن والمواطن، وأن لا تأخذه العزة بالإثم، فيثور لأقل نقد، ويصرخ عند أي نصح.
ومن المؤكد أن المسؤول الذي يتقبل النقد هو مسؤول ناجح يهمه أن يعمل بكفاءة، ولا يزيده النقد إلا عزماً وتصميماً وتجاوزاً للأخطاء والعقبات، أما المسؤول الذي يثور ويطيش على شبر ماء، فهو يشكو من عقدة نقص، ويرفع صوته ليداري عيوبه، ويحتج ويرغي ويزبد ظناً منه أن قادر بذلك أن يطمس الحقيقة ويقلب الأسود أبيضاً، أو أن يغطي الشمس بغربال!!
والمسؤول الناجح هو الذي يراجع حساباته وأعماله ومسيرته بشكل دوري بوجود الصحافة والإعلام وأصحاب الخبرة والكفاءة، رغبة في تطوير عمله وسد الثغرات ومعالجة الأخطاء، وأخذاً بالنصيحة، ليتقدم إلى الأمام بقوة وجاهزية..
وأخيراً فالنقد البناء لأي مسؤول أشبه بعملية تنظيف وتنقية يتقبلها كل نظيف ومخلص وطاهر، ويرفضها كل خائف أو فاسد أو متورط أو والغ في الأخطاء أو متعثر الخطى!!!
mosa2x@yahoo.com