عن الناتج الإجمالي من "الهَبَل"

يوجد في سيرة نسختنا المحلية من مؤتمر دافوس قدر من الطرافة؛ فالبداية لم تكن في البحر الميت، ثم أن دافوس الأصلي "السويسري" تأخر في إعارتنا اسمه.
كانت البداية بعد توقيع اتفاقيتي وادي عربة وأوسلو، حينها اقترح أصحاب دافوس، أن ينظموا لنا مؤتمراً سنوياً خاصاً بمنطقة "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وهي التسمية التي تضمن مشاركة "اسرائيل" بأقل قدر من الإثارة. لقد انتشرت حينها تسمية "مينا" التي تتكون من الأحرف الأولى لكلمات "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" بالانجليزية.
في ذلك الوقت، رفع أنصار الصلح أصواتهم قائلين: كفى سياسة، ودعونا ننتبه الى الاقتصاد الذي يعني النمو والازدهار والتعاون بين الشركاء في الاقليم.
إذا أسعفتني الذاكرة، فقد عقد المؤتمر الأول في الرباط في المغرب عام 1995، وذهب وفدنا بمشاريع بقيمة 23 مليار دولار، ثم عقد المؤتمر الثاني في عمان فتواضع وفدنا وقدم مشاريع بقيمة 19 مليار دولار، ثم عقد مؤتمر ثالث في مصر ولكن الأجواء كانت محبطة، ثم تلاشت المؤتمرات، إلى أن تجددت الفكرة مع إقامة مؤتمر "دافوس" خاص بالمنطقة عقدت كل دوراته في البحر الميت باستثناء دورة واحدة عقدت في شرم الشيخ.
كانت حصة السياسة تزداد سنة بعد سنة، وتوقفت وفودنا عن ممارسة هبل المشاريع الوهمية، وأخذ المنظمون تدريجياً يعترفون بالمؤتمر كمناسبة سياسية بالدرجة الأولى رغم بقاء الشعار الاقتصادي ، وقد جاء الشعار بائساً هذا العام: "تهيئة الظروف للنمو والثبات الاقتصادي"! إنهم يهيئون الظروف للنمو بعد أن كانت المؤتمرات السابقة قد أنجزت هذا النمو!
التمثيل الأبرز كان هذه المرة سياسياً، والكلام الذي نال الاهتمام هو كلام السياسة، ولكنه كان هذه المرة كلاماً سياسياً خطيراً سواء فيما يتعلق بالصراع مع العدو أو في الأزمة السورية.
هناك متحمسون للمؤتمر لا يكلون ولا يملون، ويمكن ملاحظة حصول تراجع في "هبل الاقتصاد" لصالح نمو في "هبل السياسة"، وهو ما يتيح لنا الاستنتاج بأن الناتج الإجمالي من "الهبل" يمر في حالة استقرار نسبي. ( العرب اليوم )