إذا مات الضمير""؟؟ بقلم محمد أكرم خصاونه
الضمير كما فسره علماء النفس في العصر الحديث هو وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان لتسهيل الإيثار المتبادل، أو السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم.
فالضمير إذن مجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم تحكم الإنسان وتأسره ليكون سلوكه جيدا محترما مع الآخرين يحس بهم ويحافظ على مشاعرهم ولا يظلمهم ويراعي حقوقهم وباختصار شديد هو ميزان الحس والوعي عند الإنسان لتمييز الصح من الخطأ وضبط النفس على ذلك.
يميز علم النفس الضمير بالخصائص ألأتيه :الضمير هو جهاز نفسي تقييمي يتعلق بالأنا, فالمرء يهتم بتقييم نفسه بنفسه كما إنه يتلقى تقييمات الآخرين لما يصدر منه من أفعال, فالضمير يقوم بمعاتبه الشخص إذا تبين أن نتيجة تقييمه لنفسه أو تقييمه من الناس قد تكون محدودة أو قد يمتد ليشمل شعب بأكمله, فمثلا عندما ينهزم جيش لدولة ما أمام جيش أخر فإن ضمير الشعب قد يثور وقد يقوم بانقلاب على حكامه . الضمير يتناول الماضي والحاضر والمستقبل فهو لا يعاتب صاحبه على ما صدر منه في الماضي فقط, بل ويحاسبه عما يفعل في الوقت الحاضر, وعما سوف يفعله في المستقبل .
الضمير قد يبالغ في التراخي وقد يبالغ في القسوة، فالضمير قد يكون سويا أو قد يتعرض للانحراف إما إلى البلادة والخمول ،و إما إلى المبالغة في تقدير الأخطاء ،الضمير قد يكون فرديا وقد يكون جماعيا فالمرء في حياته الشخصية وعلاقاته بغيره وبنفسه يكون صاحب ضمير فردي, ولكن الضمير قد يتسع ليشمل مجموعة القيم الأخلاقيّة، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كلّ إنسان.
والضّمير أو ما قد يسمّى الوجدان هو قدرة الإنسان على التّمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب أو التّمييز بين ما هو حقّ وما هو باطل، وهو الّذي يؤدّي إلى الشّعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقيّة، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتّفق الأفعال مع واقعه.
وفي الإسلام هناك حديث يدل على وجود الضمير وهو حديث وابصة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن البِر والإثم فقال له: "يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النَّفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون"رواه أحمد بإسناد حسن .
الضمير شيء حسي بداخل القلوب فعندما يغرق القلب بالظلمات والتكبر والغرور والانخداع تعلو الأنا والشهوات على صوت الضمير ويكاد الضمير يكون منعدما .
فإذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب العطف على الصغير فإذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب الإحساس بالشيخ الكبير ، وتبدل كل شئ ولكن قد نعيد الضمير إلى نبضه إذا خبا هذا الضمير، بالتفاؤل والأمل والعزيمة . الضمير مركب من الخبرات العاطفية القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤولية الأخلاقية لسلوكه في المجتمع، وتقدير الفرد الخاص لأفعاله وسلوكه. وليس الضمير صفة ولاديَة، إنما يحدده وضع الإنسان في المجتمع، وظروف حياته، وتربيته، وهكذا. ويرتبط الضمير ارتباطا وثيقا بالواجب، ويشعر المرء بوعيه بأنه أنجز واجبه تماما بأنه صافي الضمير، أما انتهاك الواجب فيكون مصحوبا بواخزات التأنيب. والضمير، في استجابته الايجابية لمتطلبات المجتمع، قوة دافعة قوية للتهذيب الأخلاقي للفرد .
وإذا ما مات الضمير تصبح القمة قاعا ، ويصبح الفجر غروبا ، وتتبدل الفصول فيصبح الخريف ربيعا والشتاء صيفا، وإذا مات الضمير يصبح الانكسار صمودا وتصبح الهزيمة انتصارا، ويصبح العويل أهزوجة ، ويصير الحزن فرحا ، والسراب حقيقة ،والخوف شجاعة، والهروب إقداما ، والذل عزا، والفشل نجاحا ، والتعالي تواضعا، والخيال حقيقة.
و حين يختفي ويموت الضمير مباح وجائز قول الزور ، وقد تصل للخيانة والقتل ،وقد يتلذذ ممن مات ضميره فيري في لون الدم عصيرا ممتعا ، وقد يزيف الحقائق ويغيَب الواقع ولا يعبا بالوطن ، ويكون أنين القتلى والمحرومين والثكالى معزوفة يحس بنشوة انتصاره حين سماعها ،فلا يهمه هدم البيوت والمساجد وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها ، وقد يسمح لنفسه من مات ضميره باستباحة كل شئ فتنتزع من عقله الذاكرة ، ويرى في ما يصنعه شيئا عذبا جميلا وبطولة خارقة ،ويرى هذا الجلاد نفسه بريئا و الضحية متهما.
حين يموت الضمير ترحل طيور الوطن الجميلة ، و لا يبقى في الجو إلا البوم والغربان وطيور الظلام تبعث ببؤس صوتها الحزن والألم والوحشة ،ويبين الخراب، فيصبح هذا الإنسان الذي تخلى عن ضميره وحشا كاسرا يتربص بفريسته.
أما المدن والقرى وساحات الوطن والأرياف الجميلة فتلوح من سؤ أفعاله كغابات موحشة مقلقة مخيفة، وتصبح الإنسانية في قاموسه مجرد كلمة لا معنى لها و لا قيمة ولا أهمية لأنه أصبح وحشا مفترسا بأنياب تستمري اللحم البشري وتراه لذيذا سهل الهضم ، وحين يختفي الضمير ويموت يصبح كل ما هو خاص ملك عام ، ويصبح الحرام حلالا، وينظر إلى الوطن كمزرعة مستباحة له ولعائلته ويرى شعبه كقطيع من حيوانات مزرعته""".مسموح له فعل ما يشاء فيهم؟ لأن عقله بات في سبات عميق وشطن عن الواقع ، لأنه فقد إنسانيته ، وأصبح مغيب العقل لا يفقه شيئا، وأصبح بلا إبصار وبلا سمع وبلا قلب مدرك