اعترافات القرضاوي وجدوى الحوار مع الشيعة!

قبل نحو ست سنوات أطلق الشيخ القرضاوي ثلاثة شروط لاستئناف حوارات التقريب بين المذاهب، أولها أن يعلن علماء الشيعة براءتهم من «تراثيات» الطعن في الصحابة وأم المؤمنين عائشة، وثانيها ان يتوقفوا عن محاولات التبشير بالمذهب الشيعي وسط الأكثرية السنية في البلدان الإسلامية، وثالثها ان يخرجوا من العراق ويستخدموا نفوذهم الأخلاقي والسياسي لوقف الاقتتال الطائفي.
كان ذلك في مؤتمر الدوحة للتقريب بين المذاهب الذي عقد مطلع العام 2007م، وقتها اشهر المشاركون من علماء السنة مواقفهم بصراحة، وواجهوا اخوانهم من المرجعيات الشيعية بـ»الحقيقة» التي ذكروا أن «المجاملات» قد غطت عليها لعقود طويلة، وكنت قلت وقتها ان ما حصل كان بداية «المفاصلة» بين الطرفين، وان الحوارات منذ تلك اللحظة فقدت «وزنها» وجدواها، وتمنيت ان تقودنا تلك المصارحات الى مصالحات حقيقية، لكن إخواننا الشيعة «ابتلعوا» ما ذكره علماء السنة، واعترفوا ان ثمة «اخطاء» مشتركة، وان بعض أهل السنة لا يترددون في تكفير اتباع الشيعة، وكان المخرج ان يتلاقى الطرفان على طاولة «السياسي» فهو الذي يملك الحل، وقد حصل ذلك حيث اجتمع علماء من الطرفين في طهران.. لكن اللقاء انتهى الى الفشل.
قبل ذلك بعام كان اغلبية العلماء المسلمين - ومعهم الشعوب العربية - يساندون حزب الله في معركته مع اسرائيل، باستثناء بعض الذين اتهموا السيد نصر الله بزج الأمة في معركة لحساب ايران، كانت اصداء خطابات سيد «لبنان» تتردد في عقول الكثيرين، وتثير اعجابهم.
لم تكن تجربة حوارات السنة والشيعة جديدة عليّ، فقد شاركت منذ العام 1990 في اكثر من «15» مؤتمرا، وكنت اطرح في كل مرّة سؤال الجدوى، بخاصة بعد ان تنفض الاجتماعات داخل الغرف ويعود المشاركون الى بلدانهم، ثم لا يتغير أي شيء في الميدان.
يوم الجمعة الماضي شاركت في ندوة حول الموضوع نفسه، وكان الضيوف الذين استضافتهم قناة «التركية» الناطقة بالعربية من مصر والعراق وتركيا، من السنة والشيعة، لم اخف بالطبع هواجس من التوتر الذي اصاب العلاقة بين اهل الملّة الواحدة، وقلت ان «السياسي» اختطف المذهب ووظفه لأهدافه الخاصة التي ألحقت ضررا بالمذاهب والدين والأمة ايضاً، وان اخواننا في ايران وحزب الله يتحملون القسط الأكبر من هذه المسؤولية، فهم ليسوا مجرد افراد اخطأوا بل يمثلون «دولة» وحركة، كما ان انحيازهم لنظام الأسد ضد شعبه كان تعبيرا عن انحياز «طائفي» وان اختبأ بلبوس المصالح السياسية.
امس الاول، خرج الشيخ القرضاوي باعترافات مثيرة، اعتذر من خلالها عن تأييده لحزب الله وزعيمه، واعترف بأخطاء ارتكبها حين دعا الى التقريب بين المذاهب لأنه اكتشف أن «ايران» ضحكت عليه وعلى غيره، وأنهم هناك لا يريدون التقريب بل اشياء اخرى.
لا ادري، بالطبع، فيما اذا كان الشيخ قد تسرع في الحكم، لكن لا يمكن لأحد ان يرفض فكرة «التقريب» أو أن يتردد في الدعوة «لوحدة المسلمين»، لكن المهم هو «نوايا» الطرفين وارادتهما الحقيقية في ذلك.. هل يمكن ان نستسلم مثلا لفكرة «الخصومة» والاقتتال وان نندفع خلف «صوت» الجنون الذي انطلق ووجد من ينفخ فيه من الداخل والخارج، هل يمكن ان نقف مكتوفي الأيدي امام ما يحدث على تخوم المذاهب وان نعلن القطيعة بين المرجعيات ونترك للسياسي ان يقرر باسم الدين والمذهب ما يريد؟
اعتقد اننا لم نتصارح بما يكفي، ولم نقتنع بعد بأننا على شفا حرب «طوائف» ومذاهب، لكنا خاسرون فيها، ولا بد أن نأخذ على يد المخطئ، مهما كان، وان نردعه عن الاستمرار في خطئه، وأن نقول لإخواننا في ايران وحزب الله: ان ما تفعلونه في سوريا سيقضي على آخر فرصة للتقريب، وسيجعلكم بنظر الأكثرية المسلمة من اخوانكم السنة في طرف «الخصم» فهل تنتبهون؟ ( الدستور )