معان ... الحويطات
أعترف ابتداء بأن ما حدث بين المعانية والحويطات؛ قضية محلية مُهمة ذات بُعد وطني؛ ولكنها ليست الأولى؛ فقد شهد التاريخ العشائري الأردني قضايا أكبر وأخطر وأوسع؛ ووصل بعضها إلى القضاء العشائري وحُلّت؛ وعولجت قضايا أخرى بحكمة الشيوخ والوجهاء من خلال إصلاح ذات البين.
ولأننا مجتمع عشائري بطبعه؛ فقد تألمنا لمقتل أبنائنا في جامعة الحُسين؛ مثلما رفضنا الإساءة لكرامة الميّت في الفيديو الذي شاهده الكثيرون على اليوتيوب ... ولكن؛
هل يقع كلّ الحقّ على المعانية والحويطات!؟ أم تتحمّل الحكومة ممثلة بأجهزتها الإدارية والأمنية جزءاً من ذلك!؟ وأين مسؤولية الشيوخ والوجهاء من الطرفين في وأد الفتنة!؟
نعم؛ الحكومة تتحمّل جزءاً من المُشكلة لأن الطرفين عجولان لمعرفة ما ستسفر عنه التحقيقات؛ وقد لمسا (الطرفان) بطئاً في النتائج سوءا كان ذلك مبرراً أو غير مبرر؛ فيما يتحمّل المعانية
الحويطات جزءاً من المشكلة كذلك؛ لأن المرحلة لا تحتمل ملفاً ساخناً في خاصرة الوطن؛ علاوة على إغلاق الجامعة وقطع الطريق الدولي والتلويح بالعصيان المدني.
ولكنني أضع اللوم الأكبر على أولئك الذين نالوا قسطاً وافراً من المناصب والوجاهة من الطرفين أو من العشائر الأخرى لأنهم لم يهرعوا إلى معان والبادية الجنوبية لقيادة زمام الأمور في هذه القضية؛ التي تصدّرت الأنباء العالمية إلى جوار مجازر القصير في سوريا؛ والتمرّد في العراق؛ وقمع المُحتجين في ساحة تقسيم في تركيا؛ والعصيان في ليبيا.
وبإطلالة على القضية وتعمّق في التحليل؛ فإني لمست أن بعض أصحاب الحظوة العمانيين من الطرفين أو العشائر الأخرى لم يُهرولوا إلى هناك لأنهم رفضوا الإجراءات الرسمية (الإدارية والأمنية) وآلية إدارة هذه القضية؛ وكانت وجهة نظرهم (خلّي الحكومة تقلّع شوكها بإيدها؛ فهذا ما زرعت؛ وهذا ما ستحصد)؛ فصمتوا بكل سلبيةٍ.
والبعض كانوا يُريدون تكليفاً عالي المستوى لأنهم يعرفون أن لديهم بصمة وثقلاً شخصياً وعشائرياً؛ وتناسوا أن هذا واجباً وطنياً لا يحتاج إلى تكليف؛ وآخرون منهم لا يمتلكون رصيداً شعبياً هناك يؤهلهم لوأد الفتنة؛ أضف إلى ذلك أن بعضهم تعمّد أن لا يستخدم نفوذه حتى لا تُجيّر جهوده لشخصيات وأطرافٍ أخرى.
لهذا توجه المعانيه والحويطات المحبطين معاً في نهاية المطاف إلى جلالة الملك؛ بعد أن فقدوا الأمل فيمن يُخلّصهم من تبعات هذه الفتة؛ وأنا ألتمس لهم العذر؛ لأن جلالة الملك ليس رئيس السلطات الثلاثة؛ وإنما القائد الأعلى للوطن؛ ووالله لو توجه جلالته إلى معان لهرعوا هؤلاء جميعاً كلٌّ يريد أن يحظى بشرف الجلوس إلى جانب جلالته أو أن تصطاده صورة لتوثقها الصحف والمواقع الإليكترونية.
وسؤالي؛ لو كان المغفور لهم : الشيخ عوده أبو تايه؛ والشيخ محمود باشا كريشان؛ والشيخ فيصل بن جازي؛ والشيخ حامد باشا الشراري (على سبيل المثال) بين ظهرانينا؛ هل كانت المشكلة ستتفاقم إلى هذا الحد!؟ وهل كانوا سيحتاجون إلى تدخل الحكومة في مشكلة داخلية خاصة بهم!؟ إجابتي قطعاً لا؛ ليس لأنهم شيوخاً ووجهاءً فقط؛ بل لأنهم رجال وطن؛ وهذا ما نفتقده : رجالات وطن لتعزيز الوحدة؛ وإصلاح ذات البين؛ وترسيخ التسامح.
وأقولها بكل أردنيتي وملكاويتي؛ بأن معان هي كُحل العين في إربد؛ وأن البادية بشمالها وجنوبها ووسطها هي مستودع الوطنية والفروسية؛ وأن عجلون وجرش هما في قلب ووجدان
الطفيلة؛ وأن السلط ببلقائها هي قدسية التسامح في مادبا؛ والكرك تعانق عموّن بتاريخا وإرثها وفيلادلفيتها؛ لهذا فمن تخلّى عن معان (بمدنها وقراها وباديتها) فقد خان معان وخان الأردن؛ وصبغ قلبه بلون أسود حالك؛ لأن معان ما تراجعت يوماً للوراء؛ فكيف تتراجعون عنها في هذه المرحلة الخطيرة من عُمر الوطن.
أليست (محافظة معان) جارة الحجاز والحرمين الشريفين؛ وشقيقة الشام والأستانة؛ وحائط الصد العُروبي عن القدس ونابلس والخليل والنقب!؟ إذا فهي تستحق أن نقف إلى جانبها؛ لأننا إن تركناها تنزف في الميدان وحدها؛ ستتسلل لها كل التيارات والفصائل المُعارضة من الداخل والخارج؛ وستتحدث كلها بإسم معان ... ومعان منها براء.
أتمنى أن تتوجه كل هذه الشخصيات بسياراتها : الهمر والشفر والباجيرو والبرادو والمرسيدس والأودي و الـ BMW من عمّان إلى محافظة معان (مدينة وبادية)؛ علّها تصنع شيئاً إلى معان وإلى الوطن في الوقت الضائع؛ حتى لا تكون معان مادة إخبارية مصبوغة بالدم في نشرات الجزيرة والعربية وقناة المنار والإخبارية السورية.
فمعان ليست ملفاً خارجاً عن القانون أيها السادة؛ بل هي جزء رئيسي من الوطن؛ وإن لم يتحرّك أصحاب الحظوة المعانيين لوأد الفتنة وإصلاح ذات البين والتسامح فمن سيتحرّك!؟ وهل تنتظرون الشيخ الظواهري والشيخ حسن نصرالله ووزير الخارجية السوري وليد المُعلّم ليتحدث بإسمها.
أتمنى أن يكون ذلك سريعاً؛ لأنني لا أريد أن أقول لأبناء معان وأبناء البادية الجنوبية مُكرهاً بعد يومين : أعظم الله أجركم.