ديوان المظالم و فرصته الأخيرة أمام مجلس الأعيان
تابعت بقلق شديد ما توصل إليه مجلس النواب الموقر بإلغاء ديوان المظالم ودمجه مع هيئة مكافحة الفساد دون معرفة الأسباب أو المبررات، فعلى الأقل من حق المواطن أن يعرف دواعي إضافة هذه الفقرة إلى مشروع القانون. دون الإطالة، فاني أضع بعض الحقائق أمام القارئ الكريم ومجلس الأعيان الموقر قبل إقرار مشروع القانون:
أولاً: إلغاء ديوان المظالم يُعطّل تطبيق نص المادة 17 من الدستور التي جاء فيها "للاردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من امور شخصية او فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي عينها القانون". أي أن الدستور يضع التزام على الدولة بإنشاء جهاز أو مؤسسة لاستقبال الشكوى ضد السلطات العامة أو الإدارة العامة فيما يتعلق بالمسائل الشخصية أو الأمور ذات الشأن العام، وقد بقي هذا النص معطلاً و غير فعّال إلى ان تم إنشاء ديوان المظالم. و قد أكد الميثاق الوطني على أن تفعيل المادة 17 يقع ضمن مرتكزات دولة القانون ويتم من خلال انشاء هيئة مستقلة باسم ديوان المظالم بموجب قانون خاص ، يتولى التفتيش الاداري ويراقب اداء الادارة وسلوك اشخاصها ، ويرفع تقاريره الى مجلس الامة ومجلس الوزراء وفقا لاحكام الدستور والقوانين والانظمة المرعية ، دون اي مساس باستقلال القضاء واختصاصاته .
ثانيا: يستقبل الديوان سنويا آلاف الشكاوى، وقد تمكن من حل ما يقارب 85% من هذه الشكاوى، ويمكن التأكد من هذه المعلومة من خلال مراجعة تقاريره السنوية. كما ان بعض الشكاوى جماعية، بمعنى انها مسجلة على انها شكوى واحدة لكن تمس المئات من المتعاملين مع الإدارة العامة، لذلك لا مبالغة ان قلنا ان الديوان من انجح المؤسسات الرقابية في أداء المهام الموكولة إليها.
ثالثاً: ديوان المظالم الأردني هو المؤسسة العربية الوحيدة التي تمكنت من تحقيق معايير الانضمام للاتحاد الدولي لأمناء المظالم كعضو مؤسسي مع كامل الصلاحيات الخاصة بهذه العضوية بعد ان اجتاز معايير الاعتماد الخاصة بهذا الشأن الواردة في النظام الداخلي للاتحاد ، الأمر الذي يؤكد على استقلالية الديوان ودوره الأساسي في حماية حقوق المتعاملين مع الإدارة العامة.
رابعاً: أكدت الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة على دور مؤسسات أمناء المظالم في تعزيز الحكم الرشيد في الإدارات العامة، وفي توفير الخدمات العامة وكذلك المساهمة في الإعمال الفعّال لسيادة القانون واحترام مبادئ العدالة والمساواة. و بسبب نداءات الأمم المتحدة المتكررة زاد عدد مؤسسات أمناء المظالم في الدول المختلفة ليصل إلى 130 مؤسسة بعد ان كان هناك 45 مؤسسة فقط في أقل من عشرين عاماً. عفوا لقد أخطأت، يبدو انه سيكون لدينا 129 مؤسسة فقط.
خامسا: لاقى إنشاء الديوان ارتياحا لدى الإتحاد الأوربي وترك الأثر الإيجابي في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي و سياسية الجوار. بقاء الديوان يُشكل أهمية خاصة و ان الأردن طلب الحصول على مركز متقدم مع الإتحاد الأوروبي مع الأخذ بعين الاعتبار ما يترتب على هذا المركز من فوائد جمة.
سادسا: لا يوجد علاقة لا من قريب أو من بعيد بين عمل هيئة مكافحة الفساد و ديوان المظالم. الهيئة تنظر في قضايا الفساد وديوان المظالم أداة رقابية على الإدارة العامة عندما تكون وسائل الرقابة التقليدية غير قادرة او عاجزة عن تقديم الرقابة الفاعلة على عملها الإداري، هذا من جانب. من جانب آخر، ويعمل على كونه همزة الوصل بين الإدارة العامة و المتظلمين منها، ليكون الوسيط المحايد الذي يطمئن له الجانبين. إضافة إلى ما سبق فهو يعمل على تبسيط الإجراءات الإدارية والمبادرة لدراسة أي موضوع يتعلق في أي من قرارات الادارة العامة او اجراءاتها او ممارساتها وارسال توصياته بخصوصها.
وأخيرا لا بد التذكير بأن هناك شكوك حول مدى فاعلية مشروع القانون في تقليص النفقات فالمراسل الذي يتقاضى 1000 دينار في مؤسسة مستقلة سيقى يتقاضى هذا المبلغ حتى لو تم إلغاء مؤسسته و تم نقله إلى أي وزارة أو دائرة حكومية. و فيما يتعلق بإلغاء دائرة المطبوعات و النشر فهي منشأة بموجب المادة 120 من الدستور؛ أي أن إنشائها يقع ضمن اختصاص السلطة التنفيذية و لا يحق لمجلس الأمة إلغائها بقانون. لا بد من الاعتراف ان هناك شبه دستورية تعتري هذه الفقرة من مشروع القانون.