حزب الله والخطأ الاستراتيجي القاتل

لقد وقع حزب الله اللبناني في خطأ استراتيجي قاتل، ينذر بوقوع آثار مدمرة على الواقع العربي والإسلامي على المدى البعيد، عندما قرر بشكل علني وصريح الانخراط في الحرب الدائرة في سورية، بكل ما يملك من رجال وسلاح وخبرة، من دون الاقتصار على الدعم السياسي والمعنوي الذي يمكن تجاوزه وتبريره.
الحرب التي تدور في سورية تطوّرت الى مرحلة الفتنة، ومرحلة الحرب الطائفية المرعبة، بفعل أطراف عديدة داخلية وخارجية، وقد تم التحذير ابتداءً من المنهج العنيف والإفراط في استعمال القوة، في سياق وقف المظاهرات والاحتجاجات، التي اندلعت قبل ما يزيد على ثمانية وعشرين شهراً، ابتدأت سلمية في أشهرها الأولى.
لقد استطاع حزب الله اكتساب مكانة مرموقة وسمعة جيدة، في الأوساط العربية والإسلامية خلال السنوات السابقة ،لشيء واحد فقط؛ يتمثل بانتهاج طريق مقاومة العدو الصهيوني المتغطرس، الذي احتل الجنوب اللبناني ، بعد ان اغراه الضعف العربي ، وعجز دول المواجهة عن استرجاع ما تم احتلاله من أرض عربية عبر العقود السابقة، واستطاع حزب الله أن يشكل قوة منعزلة عن قوة الدولة اللبنانية الرسمية، بمساعدة سورية وإيران، ما أدى إلى انسحاب "اسرائيلي" من الجنوب، بمنطق الهزيمة والشعور بالإذلال، ما جعل الشعوب العربية تقف احتراما لهذا النهج ولهذا المنطق بعد أن تبنى الحزب خطاب القوة وامتلاك السلاح في مواجهة العدو "الاسرائيلي" المحتل ،وعلى وجه حصري.
ولذلك لم يقبل مطلقا ما قام به الحزب من استعمال السلاح قبل سنوات، في تصفية الخصومات السياسية مع الفرقاء اللبنانيين إثر الانقسام السياسي ،الذي اصاب الجسم اللبناني بعد اغتيال رئيس وزرائه "رفيق الحريري" ،وما تبع ذلك من تداعيات سلبية وآثار قاتمة،ما زالت تطفو على السطح السياسي اللبناني حتى هذه اللحظة، وتم استنكار هذه الخطوة في ذلك الوقت، لانها تخالف منطق الحزب الذي التزم به، وتناقض خطابه القائم على اقتناء اللسلاح من أجل مقاومة العدو الصهيوني حصرياً، لا من أجل اثارة الفتنة الداخلية، ولا من أجل تصفية الخلافات السياسية مع الخصوم اللبنانيين، وإشعال الحرب الأهلية بين طوائف المجتمع اللبناني التي تعيش على صفيح ساخن.
المنطق الذي تم تحكيمه في عدم جواز استعمال السلاح بين فريقي (8) و (14) اذار، هو المنطق نفسه الذي يجب ان يخضع له استعمال سلاح حزب الله في الساحة السورية كذلك، حيث ان هذا السلاح ينبغي الاحتفاظ به فقط في مواجهة الاحتلال الصهيوني على وجه محدد وحصري.
الخوض في الجدل حول الصراع المحتدم بين الجماهير العربية المنقسمة بين النظام والمعارضة المسلحة، ليس هو المنطق الذي ينبغي اللجوء اليه في الحكم على خطوة حزب الله الاخيرة، لأننا جميعاً احتكمنا الى منطق عدم السماح بالتدخل الأجنبي، ولا تقاس هذه الخطوة بتسلل افراد ومجموعات متفرقة، لا تنتمي إلى دولة محددة ولا إلى طرف رسمي معروف، الى الساحة السورية وبطريقة سرية، لا تشبه بحال تحرك جيش منظم ومسلح ،يحظى بالعلنية والاعتراف الرسمي من دولته، ومن دول الإقليم.
ما أود قوله هنا، أن الحزب كان بمقدوره أن يلعب دورا ايجابياً في اطفاء الفتنة، وأن يقدم المبادرات التي تسرع في انهاء المجزرة البشعة، التي ذهب ضحيتها الشعب السوري والدولة السورية ومؤسساتها وتراثها ومستقبلها.
وكان بإمكان ايران ايضاً بما تملكه من علاقات وثيقة مع النظام أن تسهم في عدم صب الزيت على المحرقة الجارية، وأن تقنع النظام بعدم الذهاب بعيداً في معركة التدمير الذاتي، وأن تسهم في وقف الحرب الطائفية وعدم تأجيجها، لأنها لن تنتهي بإنتصار فريق على فريق، مهما كانت درجة العنف والإفراط في استخدام القوة.
لقد خسر حزب الله على المدى البعيد حتى لو تم كسب هذه الجولة، وهو مستبعد بكل تأكيد، لأنه مخالف لمنطق التاريخ، ومنطق الدم ومنطق الفتنة، التي لا يمكن اخمادها بالعنف والقوة، كما خسرت ايران كذلك، لأنهما احدثا خرقاً في جسم الأمة لا يمكن رتقه، وأحدثا جرحاً نازفاً لن يلتئم عبر عقود من السنوات المقبلة، لأنها قامت على أسس طائفية بحت، مهما بذل من جهود في تغليفها، أو صرف الأنظار عنها!! ( العرب اليوم )