التوغل الأمريكي المستمر في آسيا الوسطى وخنق الشرق الأوسط

تم نشره الخميس 20 حزيران / يونيو 2013 09:56 مساءً
التوغل الأمريكي المستمر في آسيا الوسطى وخنق الشرق الأوسط
مالك العثامنة

من يمتلك ذات الكتالوج القديم في محاولات فهم الأهداف الأمريكية في العالم، فمن الأفضل أن يعمل على تغيير هذا الكتالوج بالنسخة الأحدث، والتي تحوي معطيات أمريكية مختلفة جدا في استراتيجية الولايات المتحدة في العلاقات الدولية، والمبنية دوما ودون تغيير على مصادر الطاقة.

من المهم أن نلتفت إلى نشاطات ساخنة لواشنطن في أماكن أخرى في هذا العالم، لنفهم كيف تفكر القوة العظمى وما هي توجهاتها.

آسيا الوسطى، المنجم الجديد، ومحط اهتمام وأولويات واشنطن في السنوات الأخيرة، وهي المنطقة التي تتمتع بأهمية جيوسياسية تتناسب وطموحات واشنطن في السيطرة على أهم المحاور المستهدفة للأمريكييين- إيران، أفغانستان، الصين وروسيا بالضرورة.
وقد صار جليا أن واشنطن تبذل قصارى جهدها للسيطرة على قادة تلك الدول في هذه المنطقة، وخاصة في أوزبكستان مستخدمة كل الوسائل المشروعة منها و المحرمة.
وكانت أولى علامات هذا النشاط الامريكي النشيط فضيحة التجسس الكبرى التي اثيرت في أواخر عام 2010 في أوزبكستان، عندما أدين السكرتير الثاني في قسم الاقتصاد السياسي في السفارة الامريكية في طشقند "جيمس روكر " بتهمة التجسس و شريكه المتحدث الرسمي بإسم وكالة المخابرات المركزية في أوزبكستان "جيفري روزنبرغ". ليتبين بعد التحقيق أن السي آي إيه جندت شبكة جواسيس عسكريين لها في أوزبكستان.
إن هذه الاختراقات الداخلية الخطيرة تمس الامن القومي لأية دولة بشكل مباشر كما حدث في العراق،فنحن نعلم أن انتصار الولايات المتحدة وحلفائها على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حدث نتيجة خيانة عدد من الجنرالات العراقيين الذين كانوا مسؤولين عن تأمين و حماية العاصمة بغداد، و لم تخفي امريكا يوماً بأن هؤلاء الجنرالات قد تم تجنيدهم من قبل المخابرات الامريكية خلال فترة ابتعاثهم للدراسة و التدريب في الولايات المتحدة إبان الحرب العراقية الإيرانية.
ولأن اللاعب الأمريكي له نمطية محددة في سلوكه، فإن المقاربة مع لعبة واشنطن قبل سنوات في فنزويلا حين أرادت التخلص من شافيز وقتها، تكاد تتطابق في الأسلوب حين تدخلت اول مرة في أزبكستان في محاولة أيضا للتخلص من الرئيس الاوزبكي 'كريموف" بسيناريو "الثورة الملونة"-على غرار ما حصل اوكرانيا و جورجيا- والتي بلغت ذروتها في الأحداث الدامية في أنديجان في مايو 2005.
لكن السلطات الاوزبكية حينها أبدت العزم والإرادة السياسية في نزع فتيل أزمة دموية حسب السيناريو الامريكي المخطط له من خلال وقفة مواجهة قوية.
ومع ذلك لم توقف وكالة المخابرات الامريكية محاولاتها لفرض سيطرتها على الأنظمة القائمة في دول آسيا الوسطى وخاصة في أوزبكستان الى ان رضخ الرئيس الأوزبكي "كريموف" اخيراً لواشنطن و اصبح كالدمية في ايديهم .
وليس عبثاً تصريح "كريغ موراي"السفير البريطاني لدى أوزبكستان 2002-2004، والذي أكد فيه انه يملك وثائق مهمة حول أنشطة وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية MI6 على الاراضي الاوزبكية، و ذلك عندما قامت المخابرات الاوزبكية بتزويد المخابرات الامريكية و البريطانية بمعلومات عن وجود علاقة بين المعارضة الأوزبكية الداخلية و بين 'تنظيم القاعدة " وقتها انتهجت المخابرات الأوزبكية سياسة التعذيب و التنكيل بحق المعتقلين لديها للحصول على اعترافات خطية تدينهم بالإرهاب، والتي بالطبع لم تكن صحيحة و انتزعت من المتهمين باسلوب التعذيب و التهديد كل هذا في سبيل التقرب من واشنطن كحليف جديد موثوق به. يضيف "موراي" بأن المعلومات الواردة من المخابرات الاوزبكية لا يمكن الوثوق بها لدرجة عالية، ولكن قيمتها العالية كونها جائت تتماشى مع خطة الولايات المتحدة لتبرير وجودها في منطقة آسيا الوسطى من أجل مواجهة المد الإرهابي الإسلامي على حسب قولهم. و يتابع "موراي" الحديث قائلاً كانت طشقند واحدة من الأماكن الثلاثة أو الأربعة الأكثر استخداماً لقانون الطوارئ،، وكثيراً ما كانت الحكومة الأمريكية تنتقد اوزبكستان على ذلك، مشيرةً بان نظامها يفتقد للكثير من الديموقراطية. ولكن عندما وافقت السلطات الأوزبكية على التعاون العسكري مع واشنطن وسمحت للطائرات العسكرية الامريكية على الهبوط في مطار طشقند، صرحت واشنطن مباشرة بان البلاد تسير في الاتجاه الصحيح و بخطوات ثابتة نحو الديموقراطية الغربية!! تحول مدهش! أليس كذلك؟

يتابع السفير "موراي" حديثه قائلاً بأن الاشخاص الذين نقلتهم طاءرات CIA من مختلف أنحاء العالم إلى معتقلات التعذيب في أوزبكستان "، مورست عليهم اشد انواع العقاب و التنكيل لإجبارهم على الاعتراف بأنهم أعضاء في تنظيم " القاعدة "و بأنهم كانوا في معسكرات التدريب في أفغانستان. و اجبروهم على الاعتراف ايضاً بأنهم قد التقوا بزعيم التنظيم "أسامة بن لادن" شخصياً.

أما أخطر وأهم ما يورده موراي فهو حين يؤكد رؤيته للوثائق التي تثبت أن الدافع الحقيقي وراء العدوان العسكري الامريكي و البريطاني على أفغانستان كانت حقول الغاز الطبيعي في أوزبكستان وتركمانستان، فالأمريكيون يريدون مد خط أنابيب الغاز عبر أفغانستان، بالقفز عن جغرافية روسيا وايران، و لضمان ذلك، كان بالضرورة أن يتم الغزو بحجة محاربة الإرهاب.
طيب، وما هي علاقة الشرق الأوسط بكل ذلك؟
الجواب وفقاً "لكريغ موراي"، أن القاعدة الجوية الامريكية في "خان آباد" لم تكن لها حاجة حقيقية قصوى كعنصر إمداد للعملية العسكرية في أفغانستان، كما تناقلت وسائل الاعلام الأمريكية انذاك، و لكن الحرب على افغانستان استخدمت كمبرر و ذريعة لإفتتاحه.
ففي الواقع، انها واحدة من عدة قواعد جوية امريكية انشئت اصلاً لكي تكون كالقيد حول عنق الدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي بموجبها يستطيع البنتاغون ان يسيطر و يدير خطوط النفط و الغاز التي تمتد من الشرق الأوسط عبر القوقاز إلى آسيا الوسطى. لهذا السبب وقعت إحدى الشركات الأمريكية عقداً لبناء خط أنابيب لنقل النفط والغاز الآسيوي عبر أفغانستان إلى بحر العرب. وهذا ما يفسر الاهتمام الامريكي لتوقيع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان، فضلاً عن الدعم القوي الذي يقدمه الرئيس الاوزبكي "كريموف" لإتمام هذه الصفقة، مستغلاً موقع أوزبكستان الاستراتيجي كونها في منطقة مجاورة لأفغانستان، و سعيه لجني اكبر قدر ممكن من الفائدة الشخصية لشراكة محتملة مع دول حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة و ايضاً سعيه إلى التخلص من النفوذ الروسي و الشراكة التاريخية لصالح السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة.
من اجل كل تلك المنافع التي يصب جزء منها في رصيده بدأ الرئيس الأوزبكي يتبنى خططاً امريكية طويلة الأجل، على أمل أن يشارك في هذه العملية المربحة . فهم يحتاجون للمساعدة الامريكية في فتح الطرق السريعة و في بناء السكك الحديدية القادمة من هيرتان نحو مزار شريف وكابول وقندهار ومن ثم إلى ميناء كراتشي، باكستان و لا ننسى طبعاً شبكة أنابيب النفط و الغاز. بالطبع، لتنفيذ هذه الخطط الطموحة و الضخمة من قبل الأميركيين يجب أن يكونوا على ثقة تامة من أن السلطات الأوزبكية سوف تكون على نسق واحد و قادرة على تطبيق الاتفاقيات الثنائية. هذا هو السبب الذي يجعل وكالة المخابرات المركزية و البريطانية تنشطان لإبقاء أوزبكستان تدور في فلكهما و حدهما و سلخه تماماً عن جارته روسيا، و مقاومة جميع التغيرات المحتملة في سياسات القيادة الأوزبكية جراء الضغط الروسي عليها، و هذا ما حدث فعلاً في زيارة الرئيس "كريموف" الأخيرة إلى روسيا و ما رافقتها من برودة في الاستقبال و غضب مبرر من الجانب الروسي في اللقاء الذي جمع الرئيسين.
واشنطن، هي بالضبط مثل أخطبوط ضخم وحيد، يحاول بأذرعته الطويلة والقوية أن يلوي عنق فرائسه من الدول على هذا الكوكب، وبحبرها الأسود الذي ينفثه إعلامها هي قادرة على أن تجعل كل فريسة في كل ذراع لها لا ترى الفريسة الأخرى، لكن القضية كلها بقبضات أخطبوط واحد في النهاية.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات