.. والفن مقاومة !
ما أن أتى على مسامع أبناء بلدي وأمتي أن الشاب الفلسطيني محمد عساف ينافس وبقوة وجدارة على نيل لقب محبوب العرب "آراب أيدل" ببرنامج عالمي يبث على أهم قناة عربية، انطلقوا كعادتهم لخلط الأوراق ببعضها، فذلك يقول كيف تدعمونه ببرنامج فني يهدف إلى إلهاء شباب الأمة العربية والإسلامية؟ وتلك تقول كيف يدعم رئيس فلسطين محمود عباس مشترك في برنامج غنائي وينسى أن القدس بحاجة لمن يدعمها في برنامج التهويد والاستيطان؟! بل وكيف يهتم ببرنامج غنائي في وقت يتوجب عليه أن يكون مهتماً بمن يعاني الفقر والجوع والتشرد؟! ولا أعرف كيف غاب عنهم السؤال الأهم والأقوى ألا وهو كيف للفلسطينين أن يفرحوا بهذا الحدث في وقت خسر فيها المسلمون معركتهم بسقوط غرناطة عام 1492م.
يا أبناء وطني فلسطين.. ويا بني أمتي العربية.. كفاكم سلبية وانظروا إلى الأمور نظرة أكثر شمولية، فلكل مواطن بالمجتمع دوره الذي لا يقل أهمية عن أي دور آخر، فكل مواطن ملك بمجاله وإمكانياته، للرئيس دوره، للمقاتل دوره، للأسير دوره، للطبيب دوره، للمعلم دوره، للشاعر دوره، للفنان دوره، وكل من هؤلاء يناضل لقضية فلسطين على طريقته الخاصة ووفق إمكانياته، والفن والثقافة جزء لا يتجزأ من نسيج أي مجتمع، ويمكن للفنان المتلزم أن يوظف موهبته وجماهيريته الواسعة لخدمة قضيته الوطنية وخدمة مجتمعه، ومن يستخف بدور الفنان أدعوه لأن يقرأ ويعرف أكثر عن دور أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم قبل وبعد النكسة على الجبهة، وما قدمته أم كلثوم لصالح اعادة اعمار مصر ودعمها للمجهود الحربي بعد النكسة، ومن يستخف بدور الفن بشحذ الهمم، دعه يسأل عن الذي كان منتصب القامة يمشي، أو الذي حلف بسماها وترابها، أو الذي نادى وباس الأرض تحت نعالهم أو التي بكت على غياب شمس الحق وتحول الفجر لغروب، أو من تسآلن بحيرة شديدة وين الملايين، أو من بكت على القدس حتى انتهت الدموع وصلت حتى ذابت الشموع وسألت فيها عن محمد ويسوع !
يا أبناء وطني وأمتي.. عندما يحقق محمد عساف نجومية صاروخية خلال أسابيع قليلة ويجعل اسم غزة وفلسطين يردد بكل وسائل الاعلام العالمية قبل العربية، وعندما أرى اسم محمد عساف وصورة مخيم خانيونس تزين صحف كالجارديان البريطانية والواشنطن بوست الأميركية ويتحدثون عن معاناة أهل غزة المحاصرين وآمالهم، وعندما أستمع من خلال مواقع تلك الصحف الإلكترونية لأغنية تراثية عن فلسطين، وعندما أرى محمد عساف ينقل ثقافة وفن هذا الشعب ومعاناته من خلال برنامج يشاهد أكثر من نشرات الأخبار المملة، عندها يتوجب عليّ أن أفخر به سواء كنت رئيس دولة، او أسير، أو معلم أو طبيب أو حتى عاطل عن العمل.
يا أيها السادة.. دعوا المقاوم يقاوم، دعوا الطبيب يعالج، دعوا الشيخ يؤم المصلين، دعوا المعلم يعلم، دعوا الشاعر يعبر، دعوا الفنان يغني، دعوا الرسام يرسم.. ودعوا رئيس الدولة يحتضن كل هؤلاء ليشكلوا معاً لوحة فسيفساء متماسكة اسمها فلسطين.. ومن لديه القدرة العسكرية واللوجستية لأن يقاوم أكثر من الرئيس أبو مازن، فليتفضل ويقاوم بعيداً عن المزايدات، فساحة القتال مفتوحة على مصرعيها !