"زن" فوق رأسه
بغض النظر عن التصنيفات الرسمية لأشكال التعبير عن الرأي، فإن "الزن" اتخذ لنفسه مكاناً راسخاً بين هذه الأشكال.
سبق أن توصلت الى تعريف أولي مقترح لـ" الزن"، بأنه صنف خاص من الكلام، لا تكمن قيمته في معاني الكلمات التي يتكون منها، بقدر ما تكمن في طريقة نطقها وعدد مرات تكرارها، وبالأساس في نبرة صوت قائلها والهيئة التي يتخذها أثناء ممارسته لعلمية "الزن" في كل مرة.
و"الزن" في الأصل يمارس في العلاقات الاجتماعية بين الناس، ومن أشهر أصنافه "زن الزوجة" فوق رأس زوجها، أو "زن الأولاد" في أذن أبيهم. غير أن أمور "الزن" تعقدت مع مرور الزمن، وتمكنت من اختراق شتى مستويات النشاط البشري، وخاصة المستوى السياسي الذي تمكن الناشطون فيه، بمختلف مواقعهم، من تطوير صنف خاص من "الزن"، رغم أن السياسيين يتخذون لـ"زنهم" أسماء مختلفة.
تعالوا مثلاً، نتأمل طبيعة النشاط السياسي في السنتين الأخيرتين. إن الصراع بين السلطة وخصومها يتحول بالتدريج الى مجرد تبادل لعمليات "الزن" مع مراعاة طبيعة المناسبة واختلاف التسميات. فبينما يتحدث النشطاء عن "مواظبة" و"مواصلة" و"استمرار" و"ثبات" على الأهداف والغايات، تتحدث السلطة عن الثوابت الوطنية والمصلحة العليا والسير الى الأمام ومواجهة التحديات، وما شابه.
الطريف أن كلا الفريقين من ممارسي الزن السياسي المعاصر يتقنان تقاليد "الزن"، وخاصة ما يتعلق بعدم تبادل النظرات المباشرة بين مَن "يزن"، وبين مَن يوجَّه اليه "الزن"، أي ادعاء "التطنيش". ( العرب اليوم )