وصفة العنف القاتلة..

أصدق نصيحة وأخلصها وأصوبها، هي التي ينبغي أن نزجيها إلى كل القوى والأحزاب والجماعات المصرية بأن يبتعدوا عن وصفة العنف القاتلة، التي سوف تودي بمصر دولة وشعبًا وجيشًا إلى الخراب والدمار، وهي وصفة بشعة بكل المقاييس، وينبغي أن تواجه كل الاستفزازات بضبط النفس، وعليها أن تحبط كل محاولات جرها إلى استخدام العنف والقوة.
لقد أحسنت صنعًا عندما أعلنت الحركة الإسلامية في مصر، تمسكها بالمنهج السلمي الحضاري في التعبير عن حقها في التمسك بالشرعية، وأنها دعت كل جماهيرها ومؤيديها إلى الالتزام بطرق التعبير السلمي، البعيدة عن العنف، وعدم الاستجابة لكل الاستفزازات من أي طرف للدخول في نفق العنف والعنف المضاد بكل أشكاله وأنواعه، ومراتبه، ويجب أن تبقى متمسكة بهذا المنهج وهذا الخطاب مهما كانت خسائرها، ومهما كان حجم التضحيات.
استخدام العنف في مواجهة الخصوم السياسيين على مستوى الدولة والمجتمع نقطة ضعف وليس نقطة قوة، وهو طريق وعر ومهلك لجميع الأطراف، ويحمل أثارا مدمرة وفي غاية الخطورة على مستقبل الدولة ومؤسساتها، ومن هذا المنطلق ربما يكون من أكبر نقاط الضعف في الثورة الشعبية السورية استجابتها لاستفزاز النظام الذي دفعها للعسكرة واستخدام العنف، من خلال قدرته الماكرة على استخدام القوة المفرطة التي استعملها في سحق المظاهرات الشعبية التي بدأت سلمية.
إن الإقدام على استعمال العنف والقوة، سوف يؤدي إلى إدخال الدولة والجيش والشعب إلى نفق مظلم ليست له نهاية، وإن التسبب في سفك الدم يولد نوعا من الحقد التاريخي، الأعمى بين القاتل والمقتول، ويبني جدران الكراهية بين مكونات المجتمع وقواه السياسية، يصعب هدمها وإزالتها عبر سنوات طوال، فضلاً عن القول إن ذلك يؤدي إلى اضعاف الدولة وانهيارها لتصبح من عداد الدول الفاشلة، وهذا أمر لا يصب إلّا في مصلحة أعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر.
عمليات التغيير والإصلاح الداخلي، ينبغي أن تكون عبر الوسائل الفكرية، والمحاججة الثقافية، وتبادل الآراء، ومن خلال العمل على خلق القناعات السياسية من خلال الحوار والعمل البناء وخدمة الجماهير، بعيدا عن التفكير في اللجوء إلى أية وسيلة من وسائل العنف أو استخدام القوة في فرض الرأي على الطرف المخالف.
استخدام العنف والقوة أمر مباح ومشروع في حالة وجود الاحتلال الأجنبي، ولذلك لا جدال في مشروعية استخدام العنف والقوة في مواجهة قوات الاحتلال الأجنبي التي تأتي للاستيلاء على الأرض والمقدرات، فهذا أمر تقره كل شرائع الأرض، والسماء، وقد استخدمت هذا الحق كل الشعوب على مدار التاريخ، بلا نكير من عقل ولا نقل، أما استخدام القوة والعنف في عملية التغيير والإصلاح الداخلي وهو أمر مستنكر ووصفة بشعة لتدمير الدولة والمجتمع.
الحركة الإسلامية منذ نشأتها وطنت نفسها على خطاب إصلاح الدولة والمجتمع، وتميزت بإصرارها على البدء بإعادة بناء الإنسان فكرًا وثقافة وخلقًا وسلوكًا من أجل اتمام مشروع بناء الأمة، وبناء المشروع الحضاري الكبير القائم بجوهره على منظومة القيم النبيلة، وعلى ركائز الحرية والكرامة الآدمية والعدالة الاجتماعية، والنماء الاقتصادي، والنهوض العلمي وإعلاء شأن الفضيلة والتعاون مع الآخر على معاني البر والخير والتقوى.
ولذلك من يفكر في استخدام القوة والعنف في بناء مشروع الإصلاح الوطني يسيء إلى الإسلام، ويسيء إلى مشروع الحركة الإسلامية، ويشوه تاريخها الطويل الذي التزمت خلاله منهج الدعوة والتربية ونشر رسالة الخير والإسهام في بناء المجتمع، حتى في ظل الأنظمة القمعية المستبدة التي مارست أبشع أنواع المحاصرة والمطاردة لأعضائها، والذين يدفعون الحركة نحو التشدد والتطرف هم طارئون على الحركة الإسلامية وعلى مشروعها وفكرها الأصيل.
الإسلاميون عمومًا والحركة الإسلامية خصوصًا أشد حاجة إلى الحرية منها إلى السلطة، ولذلك عندما يتم إفساح المجال لها لنشر فكرها وممارسة عملية البناء الاجتماعي، وتعميم قيم الخير، فقد حققت هدفها الحقيقي، لأن السلطة حارسة للحرية وقيم التعاون وليست أداة من أدوات قهر الآخر وفرض الفكر على المخالف. ( العرب اليوم )