«5» أسباب للدفاع عن الإسلاميين؟

سألني أحد القراء: لماذا تدافع عن “الإسلاميين” تارة وتنتقدهم تارة أخرى، أليس في ذلك تناقض يصعب تفسيره، ناهيك عن قبوله؟ قلت له: لديّ أسباب على الاقل تدفعني الى الانحياز للاسلاميين أولها موقفي من المشروع الذي يحملونه، فأنا كأي مسلم وكأي مواطن عربي منحاز الى الإسلام، كفكرة وبديل لا تملك أمتنا غيره إن أرادت ان تخرج من دائرة التخلف الى دائرة التحضر، ولأنني اعتقد أن الهجوم على الاسلاميين ليس بريئاً وانما مقصود لإجهاض فكرة “الاسلام” لا أتردد في الدفاع عن المشروع سواء حمله الاخوان المسلمون او حزب النهضة التونسية أو اردوغان.. ما دام ان هؤلاء يجتهدون في هذا “الإطار” الاسلامي وان اخطأوا احياناً.
اما السبب الثاني فهو ان الهجوم على “الاسلاميين” يبدو احياناً مجرد ذريعة “للانقلاب” على الديمقراطية والاصلاح و ارادة الشعب ايضاً، ولأن الاسلاميين هم “القوة” الكبرى المنظمة في بلداننا فإن توجيه الاتهام اليهم ومحاولة كسر “شوكتهم” هدفه الاول الانقضاض على “رغبات الناس وحقوقهم” من خلال تخويفهم من هؤلاء “الإسلاميين” الذين يشكلون البديل المتأهل للحكم والسلطة.. وعليه فإن الدفاع عن الاسلاميين من هذا الجانب هو دفاع عن “الناس” وحق المجتمع في التغيير و الحرية والكرامة..
السبب الثالث هو ان من يتولى الهجوم على الاسلاميين وشيطنتهم ليسوا اقل سوءاً من الذين يوصفون بالتطرف على جبهة “الاسلام”، بل ان ثمة “فاشية” جديدة بدأت تتشكل في عالمنا العربي لإدانة “الاسلامي السياسي” واقصائه، وهذه الفاشية لا تؤمن بالديمقراطية ولا تقيم وزناً لإرادة الناس وانما هي مجرد طفرة انتهازية تريد ان تصل الى السلطة وتحتكرها تحت عنوان “مكافحة الاصولية” الاسلامية.. وبالتالي فإن الدفاع عن الاسلاميين هو في الحقيقة هجوم على هذه الفاشية ومحاولة لكشف فساد منطلقاتها وحقائقها واهدافها ايضاً.
السبب الرابع هو ان من مقتضيات العدل والانصاف ان نكيل بمكيال واحدة، فنحن لا نقيس الحق بالرجال وانما نوزن الرجال على ميزان “الصواب” فإن اخطأوا اشرنا الى اخطائهم، وان اصابوا كان لزاماً علينا ان ننصفهم، واعتقد ان موجة الهجوم على الإسلاميين (والاسلام ايضا) قد جانبت هذا المنطق، واصبح من الواجب على المتابع المنصف ان ينتصر “للمظلوم” متى اقتنع أن ظلما قد وقع عليه، وبالتالي فإن الدفاع عن الاسلاميين احيانا ليس اكثر من انحياز لنداء الضمير الذي يفترض ان ننحاز اليه مع كل طرف يتعرض لظلم أو إجحاف.
السبب الرابع وهو ان انتقادنا للإسلاميين احيانا ينطلق من دائرة الحرص على التجربة والمشروع، او من ضرورة الإشارة الى الخطأ وتصحيحه، او من منطلق الخشية من تحميل “الدين” اخطاء الناطقين باسمه، أو الحاملين لمشروعه، وكما ان للآخرين اخطاءهم فإن للاسلاميين اخطاءهم ايضاً، ومن بدهيات الموضوعية ان يحاكم الطرفان على “مسطرة” واحدة، وألا نغمض عيوننا على خطأ طرف أو ان ننحاز اليه الا على قاعدة “التزامه” بما نتوافق عليه من قيم واخلاقيات، لا على صعيد النظر فقط وانما الممارسة ايضاً.
اما السبب الخامس فهو انني اعتقد أن “الاسلاميين” مهما كانت توجهاتهم وافكارهم هم جزء اصيل من نسيجنا الوطني والاجتماعي، وأن اية محاولة لإقصائهم او تشويههم ستصب في النهاية بحساب بلداننا مزيداً من الخسارات والانقسامات، وكما ان مثل هذه المحاولات ستفرز منهم اسوأ ما فيهم، وستدعم نوازع التشدد والتطرف لدى بعضهم، وستغذي اجواء الكراهية والقطيعة بين ابناء المجتمع الواحد.. وعليه فإن الدفاع هنا غايته الحفاظ على سلامة المجتمع، وحماية قيمه ووحدته، وليس الانحياز لمجرد اشخاص مهما كانت سماتهم ومواقفهم. ( الدستور )