عندما ينقشع الضباب

الفرح الغامر الذي ساد أوساط الكيان الصهيوني، وكذلك المنظومة الإقليمية التي تدور في فلك السيد الأمريكي، بسبب نجاح الانقلاب العسكري على الديمقراطية الوليدة في مصر، وعدم قدرتهم على كبت مشاعر الغبطة الزائدة التي تجلت بمجموعة خطوات فعليّة كبيرة وواضحة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والإعلامي، ما قد أسهم في سرعة انقشاع الضباب الذي خيم على المكان، وعطل الرؤية لبرهة من الوقت، أدى إلى وقوع عدد كبير من الناس في مصيدة الخديعة الكبرى.
زيارة (وليم بيرنز) المبعوث الأمريكي لمصر لإعلان الدعم والمباركة المقرونة بالمطالبة بالعمل على العودة السريعة إلى الحكومة المنتخبة، دليل واضح على الدور الأمريكي في هذا الانقلاب المدبّر الذي جرى الإعداد له بالتعاون مع عدد من دول الإقليم العربي عبر تشكيل خلية مكونة من أجهزة الاستخبارات لهذه الدول التي قادت المخطط بالمشاركة مع بعض الشخصيات المصرية المعروفة، والتي بدأت عملها منذ عدة أشهر.
مركز أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" الذي يعد أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية المعتمدة لدى الحكومات "الاسرائيلية" في بيان المواقف والسياسات التي يجب اتخاذها في معالجة الأحداث والتحولات الجارية على الصعيد السياسي، قد أقدم مؤخراً على نشر مجموعة من التوصيات التي توصل إليها كبار الباحثين بخصوص الحدث المصري الأخير، وقد نشرت على النسخة العبرية لموقع المركز، كما عرضها الباحث العربي المختص د.صالح النعامي.
أشارت الدراسة إلى الهدف "الاسرائيلي" المتمثل بالعمل على تشكيل نظام علماني ليبرالي يتولى إدارة الدولة المصرية بفعالية، ويملك القدرة على مواجهة الحركات المتطرفة في مصر، وفي سيناء على وجه الخصوص، من دون عوائق أيدولوجية، وهذا يتطلب مجموعة من الخطوات، ومنها:
أولاً: تعزيز أواصر التعاون مع الجيش المصري، ورفع مستوى التنسيق مع قيادته، وتمكينه من دفع أعداد متزايدة من قواته إلى سيناء، ولو تجاوز ذلك بعض بنود معاهدة كامب ديفيد، وذلك من أجل تمكين الجيش المصري في إحكام سيطرته على المجموعات المتطرفة التي تهدد الأمن "الإسرائيلي"، ومن أجل التصدي لعمليات تهريب السلاح إلى غزة.
ثانياً: يتوجب على "اسرائيل" أن تبذل جهوداً من أجل تواصل الدعم الأمريكي والغربي للجيش المصري، ودعم الاقتصاد المصري عن طريق تكثيف المساعدات المصرفية للحيلولة دون انهيار حكم العسكر الجديد، ومساعدته على تقليص البطالة وحل المشكلات المعيشية للشعب المصري للحيلولة دون نمو بذور التطرف في الريف والمدن المصرية.
ثالثاً: تشجيع دول الإقليم العربي ولا سيما الدول الخليجية على تقديم الدعم الكافي للحكم الجديد في مصر، من أجل مواجهة النفوذ المتزايد للإخوان المسلمين الذي يهدد هذه الأنظمة، والذي يشكل تحدياً استراتيجياً لدول المنطقة، والعمل على تطوير التعاون معها في مواجهة التحالف الايراني.
رابعاً: على صناع القرار في تل أبيب البحث عن قنوات الاتصال مع مفجري الثورة التي استطاعت إطاحة حكم مرسي، وذلك من خلال تقديم الخبرة الاسرائيلية في معالجة القضايا الاقتصادية الملحة، مع مراعاة ضيق الهامش المتاح الذي يسمح بالمناورة "الإسرائيلية" والتأثير في الخارطة الحزبية على الساحة المصرية.
خامساً: لقد خدمت التحولات الأخيرة في مصر دولة اسرائيل بشكل كبير، لأنها مثلت ضربة قوية لحركة حماس التي فقدت مرتكزها الأيدولوجي والسياسي الأبرز، خاصة بعد فقد مركزها في دمشق، والضعف الملحوظ الذي اصاب علاقتها بإيران وحزب الله، ولذلك يجب أن تعمل "اسرائيل" على تنمية مشاعر العداء لحركة حماس في أوساط الشعب المصري، والأوساط السياسية والإعلامية المصرية.
ومن المعروف أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بذل جهوداً كبيرة في إقناع الإدارة الامريكية بعدم اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، حتى لا يكون ذلك عائقاً قانونياً أمام مواصلة الدعم الأمريكي للجيش المصري.
هذا بعض ما جاء في تقرير مركز أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي"، الذي سوف يسهم في انقشاع الضباب الذي يلف الحدث المصري، إضافة إلى ما يجري فعلاً من خطوات فعلية تكشف الحقائق المخفية أمام الجماهير المصرية والعربية التي بدأت تتحول تدريجياً، بشكل ملحوظ نحو تأييد الشرعية الدستورية التي تم التحايل عليها. ( العرب اليوم )