استحقاق الانتخابات البلدية

تخطئ كثيرا جماعة الإخوان المسلمين إن لم تتراجع عن قرارها في خوض الانتخابات البلدية، لأنها في قرار مقاطعة الانتخابات النيابية لم تفعل شيئا وبقيت تصرخ في الشارع، والآن جاءتها الفرصة كي تفحص جيدا شعبيتها المختلف عليها، والانتخابات البلدية التي ستجري نهاية آب مهمة إلى درجة قد تتجاوز النيابية، وفيها احتكاك مباشر مع المواطن وقضاياه.
طبعا، جميع الأحزاب باستثناء الإخوان سوف يشاركون في الانتخابات البلدية ، للقناعة بأن الخدمات الاجتماعية المنوطة بالمجالس البلدية، التي يفترض تقديمها للمجتمعات المحلية ، هي الآن في مهب الريح لأسباب تاريخية متراكمة، ولكن السبب المباشر هو أن الجهة التي تتحمل مسؤولية المجالس البلدية الآن ، هي لجان مؤقتة، بموجب قرار صدر عن رئاسة الوزراء في آذار من عام ٢٠١١، ويقضي "بحل جميع المجالس البلدية في المملكة، وتشكيل لجان مؤقتة تقوم بأعمال هذه المجالس وصلاحياتها".
القرار جاء إثر خلافات عميقة وقعت بين أعضاء المجالس البلدية أدت إلى استقالات جماعية في اكثر من بلدة ومدينة (الفحيص، الكرك)، والنتيجة هي تردي مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
لنتذكر انه في عهد حكومة معروف البخيت، كانت الحكومة تعتزم إجراء الانتخابات وفق قانون غامض، ولا يتضمن حلولا للاستعصاءات والخلافات الحادة المتعلقة "بدمج البلديات أو فكها"، إذ أدت عملية الدمج حسب قرار اتخذ قبل حوالي خمس سنوات الى هيمنة البلديات الكبرى وإهمال البلديات الصغرى المنضوية تحت عباءتها.
وهناك استعصاء آخر يتعلق بمحدودية موازنات البلديات ، وغياب الرقابة الجادة على عمليات الصرف واستشراء الفساد والمحسوبية والتمييز بين المواطنين ، فالمجالس المحلية أو البلديات ، التي يفترض ان تكون أداة وصل حيوية بين المجتمع والدولة، أصبحت جزءا من المشكلات العديدة التي يعاني منها المواطنون، ذلك أنها أصبحت عنوانا لتكريس ظاهرة الانحيازات العشائرية كما أصبحت المجالس مصممة لأشخاص بعينهم ، لا يملكون القدرة على الوفاء بالمهمات المطلوبة ، وفقا للاحتياجات الاجتماعية المتشابكة "فالقانون مثلا لا يحدد مستوى تعليميا معينا للمرشح للانتخابات، لذلك علينا أن نلحظ وجود عدد لا بأس به من الأميين أعضاء في المجالس البلدية"!
لقد تضاعفت الاحتياجات الاجتماعية للمواطنين، وتحديدا في ظل رفع يد الدولة عن العديد من الخدمات الأساسية، في الوقت الذي تتراجع فيه يوما وراء يوم مستويات الخدمات المطلوبة والملحة، تحديدا في القرى والبلدات البعيدة عن العاصمة.
القوى السياسية التي تعطي أهمية ضرورية واستثنائية لانتخابات المجالس النيابية : سواء من خلال مشاركتها او عدمها ،لا تعطي الأهمية نفسها لانتخابات المجالس البلدية!
وإذا كان لهذه الظاهرة بعض التفسير في ما مضى بسبب الأوضاع الأمنية، فلا شيء يمكن أن يبرر عدم خوض هذه المعركة في ظل التحولات الديمقراطية الهائلة الجارية في المجتمعات العربية، وتنامي الوعي الجماعي بأهمية البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، والمطالبة بالعدالة الإنسانية الغائبة والحقوق الديمقراطية المستلبة.
إن حجر الرحى الآن في مشروع الإصلاح الوطني يتعلق بهذه الحقوق وضرورة الدفاع عنها في مواجهة القوى المهيمنة التي دأبت على استلابها ولا تزال تقاوم أي مشروع اصلاحي، غير عابئة بالاحتقانات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية الواسعة. ( العرب اليوم )