" الزعتري " عاصمة اليأس السوري
المدينة نيوز - : نشرت صحيفة " قبس " مقالاً ، الاربعاء ، تحت عنوان ( الزعتري عاصمة اليأس السوري ) يتحدث عن اللاجئين السوريين في الأردن .
المدينة نيوز تنشره لكم :
تلقّب بـ«الزعتري»، وهي رابع أكبر مدينة في الأردن. قبل عام، لم يكن يعرفها إلا عددٌ قليلٌ من الناس، لكنها باتت تحتوي، خلال شهر يوليو الجاري، على حوالي 144 ألف سوري ممن يحاولون الصمود في معسكر اللجوء الموجود فيها. وهذا المعسكر لا يشبه مدينة الزعتري الأصلية أبدا، فلا وجود لمنازل، وأحيانا لا وجود للقانون، لكن الأمل دائما موجود، بالإضافة الى رجال يقاتلون في سوريا.
تتذكّر أم منصور، خلال حديثها ، وتقول: «في يوم جميل دخلت إلى خيمتنا امرأة غريبة، وسألت إذا كان لدينا فتيات للزواج. شعرتُ بالصدمة والاستغراب، ثم قلتُ لها بأنه حتى لو كانت عندي ابنة أو حفيدة بعمر الزواج، فإنني لن أزوجها بهذه الطريقة. هل نحن بضاعة أم ماذا؟!
إنها أرملة صارمة، تعيش مع عائلتها، منذ بضعة أشهر، في مخيم الزعتري للاجئين. مواطنة سورية من محافظة درعا، أجبرتها الحرب الأهلية على مغادرة بلادها والفرار إلى الأردن. نجلس على السجادة، بينما تضع حفيدها في حضنها. جهاز التهوية يحاول جاهدا طرد الهواء الساخن الذي ينتشر في الأجواء. الهواء حار. نشرب الشاي المحلّى كما هي العادة، لكن الحياة في هذا المخيم بعيدة كليا عن الحياة المثالية.
يعاني اللاجئون السوريون من مشاكل كثيرة، لكن مسألة «بيع العرائس»، أو الزوجات هي من أسوأها. فالخطّابات الفضوليات يتجوّلن في المخيم، ويسألن عن أصغر العرائس المحتملات اللواتي يُحلم بهن كزوجات ثالثة أو رابعة. لكن عروسا كهذه، بعيدة كليا عن العائلة والمجتمع، لا تتحول إلى زوجة كاملة الحقوق، بل على الأرجح لشريكة جنس فقط. لُعبة، أَمَة جنسية.
الأمر يرتبط إذن بالمال الذي تحصل عليه كل من العائلة البائسة بعد تزويج هذه الفتاة التعيسة أو تلك، والخطّابة التي تتوسط في الموضوع، والعصابة التي ترتبط بها.
مختار الزعتري.. ألماني
تتعمق حالة اليأس لدى السوريين المقيمين في الزعتري، لأن أياً منهم لا يتوقع أي حلّ سريع للأزمة التي تعصف ببلادهم. «لا نعرف الى متى سيعيش هؤلاء الناس هنا. ثلاثة أشهر، نصف عام، ثلاثين عاما»، كما يقول كيليان كلاينشميدت في إحدى خلايا السكن الممتلئة بالغبار على طرف المخيم. يرتدي هذا الرجل بنطالا على جوانبه عدد من الجيوب، وسترة مخصصة للصيد، فيبدو للوهلة الأولى وكأنه صياد أسماك. لكن الحقيقة تختلف كليا: فموظف الشؤون الإنسانية هذا القادم من ألمانيا هو مختار «الزعتري».
يعمل كلاينشميدت لمصلحة المفوضية العليا لغوث اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ويدير المخيم باسمها. كان قد تم تعيينه حديثا في المخيم عندما جئنا إليه، وهو ما يفسر الصرامة التي كان يستخدمها لانتقاد المعايير السائدة فيه. لكنه ليس جديدا في المهنة، فقد سبق له أن عمل في مخيمات للاجئين في أفريقيا والبوسنة.
«لم نوفّق في بناء البنى التحتية للمخيم»، كما يقول. مهمته تتجسد ببناء شيء يشبه المدينة. وإذا سمع عن ذلك عشاق ألعاب الكومبيوتر، التي يتم خلالها بناء أشياء مماثلة، لكانوا قد جنّوا فرحاً. لكن هذا الألماني لم يبدو فرحا أبداً، ربما لأنه كان يتحدث أمام الصحافيين.
الفوضى سيدة الموقف
أضف إلى ذلك أن وكالات الأمم المتحدة الناشطة في المخيم تحتاج للمال، وبالتالي لولاء الرأي العام.
المال مفقود أيضا لدى برنامج الغذاء العالمي (World Food Program) الذي يسعى لإطعام اللاجئين عبر منظمة غوث اللاجئين. مثال: يقوم موظفو البرنامج المذكور كل يوم بتوزيع 28 طناً من الخبز في مخيم الزعتري فقط. وتعتبر هذه المنظمة مصدر الغذاء المجاني الوحيد والموثوق فيه. لكن مع استمرار الأزمة السورية وعدم وجود أمل في حلها سريعاً، فإن مصادره المالية بدأت تشح تدريجيا. وبرغم وجود البرنامج في إطار منظمة الأمم المتحدة، فإن موظفيها يضطرون في كثير من الأحيان للعمل مثل موظفي المنظمات غير الحكومية. هذا يعني استجداء المساعدات المالية من الواهبين والمتبرعين لتمويل مشاريع مختلفة، وهو أمر صعب جداً في ظل الأزمة الاقتصادية المستعرة، كما يؤكد الخبراء.
يتبيّن من كلام كيليان كلاينشميدت أن هناك كثيرا من الفوضى التي تسود داخل مخيم الزعتري.
فقد انتشرت العصابات الإجرامية داخل المخيم. ولا يتعلق الأمر بمن يسرقون الأشياء الصغيرة من داخل الخيم، وهو أمر يحدث أيضا. فهذه المافيات التي تقيم الروابط مع سوريا ولديها روابط أخرى مماثلة داخل الأردن، تتبنى شريحة واسعة من النشاطات: فهي تبيع على سبيل المثال الكهرباء لزبائنها، لكن بطريقة مختارة وملتوية، لأن إدارة المخيم تدفع أيضا لمزودي الكهرباء الرسميين.
لقد «خصخصت» هذه العصابات الحمامات الموجودة في المخيم، وهرّبت اللاجئين من المخيم وإليه، أو قامت بتأجير الفسحات الجذابة. أين؟ في المخيم نفسه، حيث يوجد أيضا طريق رئيسي تلتف حوله أكشاك البيع، وحيث يمكن شراء السجائر، والدجاج، والحلويات والمرطبات. بعضهم يملك ثلاجات يبيع فيها البوظة. لكل شيء ثمنه طبعا. وهناك ما يكفي من الأموال.
«قال لي أحد بائعي الدجاج المشوي إنه قادر على جني ربح قيمته حوالي 150 يورو يومياً»، كما أفاد كلاينشميدت.
شرخ في الحياة المشتركة
ثلاثة أرباع مواطني مخيم الزعتري من النساء والأطفال. أما الرجال فيقاتلون عادة في سوريا ضد قوات الأسد ضمن صفوف الجيش الحر في غالب الأحيان. «يوجد في أحد زوايا المخيم مكان مرتفع يمكن منه التقاط إشارة للهاتف الجوال، وإجراء اتصال مع الأهل في سوريا مرة أسبوعيا»، كما تقول رحمة التي تعيش في المخيم مع حماتها، بينما يقاتل زوجها في سوريا.
تسود قناعة في المخيم بأن نظام الأسد يُرسل إلى مخيم الزعتري عملاء يتسببون بنشوء القلاقل، وبنشوب الحرائق، ويخطفون الأطفال، ويحرضون عائلة ضد أخرى في الخيم الكثيرة. ويقال باختصار بأنهم يحاولون تشويه صورة السوريين السُنّة الذين يقاتل أبناؤهم ضد القوات الحكومية.
أما الدوائر الرسمية السورية فتصف المخيم المذكور بأنه قاعدة للجيش السوري الحر، ومنه - وإليه - ينطلق المقاتلون الثوار.
يصعب القول فعلاً أين هي الحقيقة في كل ما يُشاع. ما هو أكيد هو أن شرخاً كبيراً قد حدث بين مكونات الشعب السوري، مما سيترك أثراً سلبياً في الحياة المشتركة بعد انتهاء الأزمة.
«سنبقى أقوياء.. ونصمد»
اسمها تُقى، وتبلغ من العمر ست سنوات، وتفخر بالحقيبة التي تحملها ولا تتركها أبدا. تقول، على الأقل أمام مدرّستها، بأنها تحب التعليم، وبأنها من درعا. لكن يبدو أن مصيرها سيحكم عليها بقضاء فترة طفولتها في هذا المخيم.
قصتها حزينة، لأنها قصة واقعية. تقول تُقى: «في إحدى الليالي خفتُ كثيرا، لأن القذائف كانت تسقط حولنا. ذهبت لأنام بقرب شقيقي، حيث قال لنا الوالد بأننا إذا خلدنا للنوم، فإننا لن نتعرض لأي مكروه». ثم اضطروا لمغادرة المنزل. فهل تتذكر سوريا الآن؟ «كانت الأمور جميلة هناك. كنا نملك ملعبا وأشياء كثيرة نقوم بها»، كما تتذكر. بجميع الأحوال يمكن القول إنها محظوظة، فقد نجت مع كامل أهلها وأشقائها.
بالرغم من أن تعليم السياسة في الصف الأول لا يزال أمرا مُبكرا، لكن، كيف تجيب المعلّمات إذا سألتهن الطالبات، مثل تُقى، عن الأسد؟ في تركيا بات الطلاب يدرسون في كتب جديدة لا تمجد بالنظام والدكتاتور، كما كان الوضع دائما، بل على العكس.
تقول المعلّمة منى: «في الزعتري ندرّس الطلاب وفق المنهاج الأردني، ونستخدم بالتالي الكتب الأردنية». كما توجد هنا كثير من المدرسات الأردنيات اللواتي يُدرسن اللغة العربية والمواد الأخرى.
وتضيف منى: «عندما تسألنا الطالبات عن السياسة، وهو أمر لا يتكرر بشكل مستمر، فإننا نطلب منهن الاستفسار عن الإجابة من أهاليهن. الجميع هنا يتابعن وسائل الإعلام التابعة للمعارضة، وحتى تلك التابعة للنظام، بالإضافة للقنوات الفضائية العربية. أعتقد بأن لديهن في المنازل ما يكفي من المعلومات حول السياسة».
هناك كثير من الفتيات في باحة المدرسة، ويملكن ما يكفي من الكرات، لكي يضرب بعضهن بعضا أثناء اللعب والاستمتاع.
على جدار المدرسة يمكن قراءة شعار «سنبقى أقوياء، لذلك سنصمد». هذا الأمر لا يعتبر في مخيم الزعتري مجرد عبارة فارغة المعنى، بل ضرورة قصوى.
«المطبخ 77».. صار من الخيال
تحولت قصة «المطبخ 77» إلى أسطورة خيالية داخل المخيم. فالمباني المزودة بأجهزة طبخ داخل المخيم لم تعد مكاناً لإعداد الطعام وحسب، بل تحولت إلى مكان اجتماع يحاول من خلاله اللاجئون الضائعون إعادة تشكيل مجتمعاتهم. كما أن الطهي خارج الخيم هو أكثر أمنا، وهذا ساهم فعلا بالتقليل من حوادث الحرائق.
لكن «المطبخ 77» لم يعش طويلا ليتمتع برائحة الطعام الذي يطهى فيه، فقد اختفى في أول ليلة تم بناؤه فيها، لأن مجهولا فككه بالكامل وسرقه. وأفيد بأن موظفي المخيم شعروا بالارتباك الشديد مما جرى، لدرجة أنهم دققوا مجددا في الكشوفات، ليروا فيما إذا كان العمال قد بنوا المطبخ فعلاً!