ماذا كانت تحمل " ابتسامة " الملك الحسين " السياسية " ؟

تم نشره الثلاثاء 30 تمّوز / يوليو 2013 02:36 مساءً
ماذا كانت تحمل " ابتسامة " الملك الحسين " السياسية " ؟
الملك الراحل الحسين

المدينة نيوز - رصد : كتب الكاتب هافال امين مقالا تحدث فيه عن السياسة في الشرق الأوسط والتي حاول فك الغازها من خلال ابتسامة الراحل الملك الحسين " السياسية " ، وتالياً نص المقال :

الخوف والغضب في عالم السياسة محركان أساسيان، تماما كما عند الأفراد في الحياة اليومية. وقي كل الأحوال فالسياسة في النهاية نشاط بشري.

حين أفكر في الغضب والخوف في سياسات الشرق الأوسط يتجلى أمامي دائما وجه الملك الأردني الراحل الحسين تتلفعه ابتسامة لا تفارقه أبدا. ولكن تحت هذه الابتسامة كان هناك بحر من الغضب وبركان من الخوف.

ابتسم الحسين لجمال عبد الناصر وهما نقيضان لا يلتقيان، بل إن الأخير أغرى أحد أقرب أصدقاء الملك ليقتله في مملكته، علي أبو نوار، ولكن القدر شاء أن يبقى الحسين حيا رغم أنف ناصر. وابتسم الحسين لأبي نوار وخلى سبيله دون أن يقتله أو حتى أن يحاكمه.

ابتسم الحسين لصدام حسين وبينهما جدران إسمنتية تعيق لقاءهما بالرغم من اللقاءات العديدة بينهما، وابتسم الحسين لذلك المغامر العلوي، حافظ ألأسد، القادم من القرداحة التي تتقيح فقرا وألما إلى دمشق بعربدتها الأموية ولياليها الملاح ليدرس الطب، ولكنه أخذ مسلكا آخر وانخرط في الحياة العسكرية وعالم القتل والجثوم على صدر الشعب. كذلك بين الحسين والأسد مسافات ضوئية لا تدركها أدق الأقمار الصناعية.

ابتسم الحسين على مضض للخميني الذي شرد الشاه محمد رضا بهلوي لأنه عرف أن زمن الشاه قد انقضى والخميني لن يكون سوى وجع رأس لا يطاق ولكنه حقيقة واقعة يجب معايشتها وأن تلف رأسك بقطن مبلل لعل الألم يخف قليلا. أول اتصال للشاه ،حين غادر إيران، بالحسين ليقبله لاجئا عنده في الأردن ولكن الملك اعتذر بأدب.

لماذا كان الحسين يبتسم دائما؟! لو نتمعن النظر في الأمثلة السابقة نراه كان يبتسم لأعدائه فكريا بل وحتى عمليا، وكما رأينا أن بعضهم أراد تصفيته جسديا، بل ربما كلهم. كان الحسين طيرا غريبا ولكن قلبه كان شجاعا في عالم من النسور المتوحشة في الشرق الأوسط. أرادت هذه النسور القضاء على هذا الطائر الذي يغرد بشكل مغاير عن غنائها. لكن المحصلة أن تلك النسور سقطت لأنها طارت بعيدا ونتنت جثثها، وربما كانت في الأصل تلبس ريش النسر دون أن تكون نسورا، أما ذلك الطائر الغريب فحافظ على الارتفاع المسموح لطيرانه.

في هذا الارتفاع المسموح اكتشف الحسين ما لم يكتشفه أعداؤه أو تغاضوا النظر عن ذلك بالرغم من أنهم سمحوا لأنفسهم بالعلو أعلى.

اكتشف الحسين إن ناصر أكبر أكاذيب العرب عمليا وإن كان من منظور ما أكبر آمالهم عاطفيا ومن العاطفة ما قتل، ولا أقول نظريا لأن النظرية تقوم على أسس وبالنتيجة يجب أن تكون قابلة للتطبيق. نظرية ناصر في الوحدة العربية وهم في داخل مصر قبل أن تكون وهما في بقية الدول العربية. ففي الوقت الذي كان يطبل للحرب ضد إسرائيل مارس الدكتاتورية ضد شعبه. إن شعبا خائفا لا يستطيع أن يحارب العدو مهما كان ضعيفا وصغيرا. أما العدو الإسرائيلي فكان من جهة يستعد للحرب ومن جهة أخرى كان يبني مجتمعا مدنيا وعلميا. ولكن ناصر الذي جاء على الدبابة العسكرية لم يكن يريد أن يتعلم من التجربة الإسرائيلية في البناء وممارسة الحكم لأن ذلك يعني القضاء عليه. وفي الحرب يجب أن تكون متوازيا مع عدوك لكي تحاربه.

أما الوحدة العربية في بقية الدول العربية فكانت مجرد شعارات جوفاء لسبب بسيط إن كل منها دولة ما تختلف جذريا عن الأخرى في السلوك والقيم، واللغة ليست الضمان الوحيد لتحقيق الوحدة.

وجد الحسين نفسه بين هؤلاء كان في داخله غاضبا على المسافة الكبيرة بين إدعاءاتهم وقدرتهم في الواقع، وكان خائفا أن يقدموا على ممارسات بهلوانية تدك أعناق شعوبهم، وهي في النهاية دكت أعناقهم أيضا. كان يبتسم ليضغط على الخوف والغضب. في عالم السياسة يجب أن يخفي السياسي غضبه وخوفه شرط أن لا يخلو منهما فبدونهما ليس هناك سياسة وليس السياسي سوى بهلوان.

ربما كان الحسين من أكثر قادة الشرق الأوسط إحساسا بالواقع الهش للمنطقة. وقد يكون هذا الواقع الهش على حساب مملكته التي أراد لها البقاء بأي شكل في الصراع بين الإدعاء والقدرة، وهذا هو الصراع الحقيقي في الشرق الأوسط: بعبارة أخرى الموازنة بين ما يعلن عنه كفكر وبين ما يمكن تطبيقه.

بين الأمس حيث كانت ابتسامة الحسين واليوم لا جديد تحت شمس الشرق الأوسط، وما زال الخوف والغضب سائدين. الشرق الأوسط يريد أن يشكل نفسه الذي لم يتشكل بعد. في كل لحظة من المتوقع أن يحدث شيء أو أن يغيب شيء. وفكر كل الأطراف أي إدعائهم أكثر صراخا من قدرتهم.

المفاوضات التي تجري الآن بين إسرائيل وفلسطين يقال عنها بأنها للحل النهائي أي بمعنى حل الدولتين. وهنا يجب أن تعرض على طاولة المفاوضات من قبل طرفي النزاع آفاق الإدعاء وأرضية القدرة وهنا تتم المساومة بين الحق الديني والتاريخي وشرط الواقع المعاش اليوم الذي لا تقل أهمية عن الحق الأول وإلا بخلاف ذلك هو مزيد من الاحتقان وربما لاحقا إراقة الدماء بشكل أو بآخر. من هذا العرض يمكن التوجه إلى نقاط الخلاف لبحثها والتفاوض عليها وهي معروفة.

لا أشك أن كلا من نتانياهو ومحمود عباس اللذان كتب لهما في هذه اللحظة تحريك الصراع من دائرة إلى أخرى: والمفترض دائرة إنهاء النزاع.

كلاهما في نظري يستحوذ عليه شيء من الغضب على شعبه وشيء من الخوف من المساومة. كلاهما يعرفان أن العقدة المستعصية في النزاع هو الدين والتاريخ أو بالأحرى لدى المتطرفين من الطرفين. التطرف: تلك الكتلة العاطفية الملتهبة والمصابة بالتهابي الدين والتاريخ

لا شك إن الدين والتاريخ كلاهما لهب يضيء طرق الظلام في الواقع المعاش، ولكن إذا زاد عن حده بحيث أعاق تفسير الواقع أو تحريكه صار اللهب التهابا وقد يتحول إلى التهاب مزمن فلا ينفع معه طب أو دواء ويصبح الواقع غبارا من الماضي السحيق وعنده ينفجر الغضب والخوف فلا يمكن لأي ابتسامة أن تخفيهما وتتحول السياسة من فن التوافق بين الممكنات إلى لعبة دومينو تتطاير أحجاره لتضرب وجه اللاعبين.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات