نيل ساموندز يكتب عن زيارته للزعتري
المدينة نيوز - خاص - : نشرت منظمة العفو الدولية ، الثلاثاء ، مقالاً حول اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالاردن كتبه الباحث في شؤون سوريا بالمنظمة نيل ساموندز ، تحت عنوان زيارة إلى مخيم الزعتري .
واستمع ساموندز خلال زيارته المخيم إلى مشاكل اللاجئين وهموهم .
وتالياً نص المقال :
على بُعد اثني عشر كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود مع سوريا يقع مخيم الزعتري للاجئين في الأردن. ويعيش أكثر من 130,000 لاجئ ممن فرُّوا من أتون النـزاع في سوريا على رقعة عرضها سبعة كيلومترات من مسطح صحراوي لا حياة فيه، في خيام مؤقتة ومنازل متنقلة “كرافانات”.
وتحت الشمس الحارقة، تنكمش امرأة شابة ترتدي عباءة سوداء مع طفلتها في قطعة من الظل لا تتجاوز نصف متر إلى جانب جدار أبيض. وتغطي سُحب الغبار التي تثيرها الرياح أو الشاحنات العابرة كافة أرجاء الصحراء العارية.
وقد حملَ معظم اللاجئين معهم ما استطاعوا حمله من المتاع، إلى جانب ذكريات القمع والنـزاع المسلح في سوريا. وأرانا بعضهم الأحذية والصنادل الممزَّقة والتالفة التي قطعوا بها رحلة الشقاء إلى الأردن.
إن الأغلبية العظمى من اللاجئين الذين التقيناهم فرُّوا من محافظة درعا بجنوب سوريا، حيث اندلعت أولى الاحتجاجات الجماهيرية التي دعت إلى التغيير قبل أكثر من سنتين.
“لقد قبضوا عليَّ لأنني طالبتُ بالحرية” يقول أحمد بهدوء محاولاً التقاط أنفاسه وهو يجلس متربعاً في “كرفان” عائلته. وبينما هو يتحدث يُظهر نجله الصغير على شاشة هاتفه الخليوي صور فيديو لأفراد من قوات الأمن السورية وهم ينهالون بالضرب ويدوسون على رجال مقيَّدي الأيدي. ويعاني أحمد من مشكلة في القلب تفاقمت نتيجة لاعتقاله لمدة سنتين تقريباً تعرَّض خلالها للتعذيب على حد قوله. أسأله عمَّ إذا كان بإمكاني تدوين ملاحظات حول اعتقاله وإساءة معاملته، ولكن عينيه تزوغان ويتدلى رأسه إلى أسفل، فقررتُ ألا أُخرج دفتر ملاحظاتي.
وتقول وفاء، وهي امرأة في العقد الرابع من عمرها تقيم في الكرفان نفسه، إن طفلها قضى نحبه في مستشفى يفتقر إلى الموارد في درعا قبل عدة أشهر، وهي لا تزال في حالة حداد على فقدان طفلها: “كان هناك طبيب واحد فقط، وكان الطفل بحاجة إلى أكسجين، ولكنه لم يكن متوفراً، ففارق الحياة.”
وفي الوقت الذي يعارض فيه العديد من الأشخاص بوضوح حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وقوات الأمن التابعة له، يبدو أن آخرين غير مبالين. فالسائق أبو حمزة، الذي يعيش حالياً مع عائلته في خيمة من الكتان مليئة بالغبار، يقول: “لم أُشارك في الاحتجاجات، فأنا لست سياسياً. وقد غادرنا ديارنا بسبب عمليات القصف والقنص.”
غير أن العائلة تواجه مشكلات جديدة هنا. “لا تتوفر مياه كافية، والمراحيض بعيدة جداً عن الخيمة، ولم يذهب أطفالي إلى المدرسة إلا مرتين أو ثلاثاً، فهم يشعرون بالملل والضجر. كما أن فرص العمل غير متوفرة بالطبع. ولم أغادر الزعتري خلال الأشهر الثلاثة التي قضيناها هنا، فإلى أين أذهب؟”. ويعتبر الزعتري الآن ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم. بيد أن معظم اللاجئين من سوريا يقيمون في مساكن خاصة مستأجرة.
وفرَّ آخرون كثيرون إلى بلدان مجاورة أخرى، كلبنان وتركيا والعراق ومصر.
ولا يزال سيل اللاجئين يتدفق. فوفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن عدد اللاجئين الفارِّين من سوريا قد زاد على المليون لاجئ في هذا العام حتى الآن، أي أكثر من عدد اللاجئين الجدد في العالم أجمع في عام 2012 بأكمله.
ويستعد العديد منهم للإقامة الطويلة. ويقال إن مئات المحلات التجارية قد افتُتحت في المخيم، حيث تبيع بطاقات الهواتف الخليوية وملابس العرس والحلويات العربية.
وعلى الرغم من الأوضاع المزرية، ها هي أُسرة شابة تعرب عن كرمها وتدعونا إلى زيارة خيمتها. وتخاطبنا دينا، التي تقيم في المخيم، بابتسامة حزينة: “’ليتني أستطيع أن أدعوكم إلى زيارة منـزلنا الجميل الذي كنا نملكه في الوطن.” وتبذل هذه الأسرة كل ما في وسعها من أجل أن تصبح هذه الخيمة بيتاً لها. وفي طرف الخيمة نرى ماء بنيَّة اللون تدور في غسالة صغيرة.
ويتسم المخيم بانعدام التنظيم وسوء الأوضاع المعيشية. إذ تتم سرقة أسلاك الكهرباء، مما يسبب النقص فيها ويثير الاحتجاجات. ويُصاب العديد من اللاجئين بالصدمة والإحباط ويتملَّكهم الغضب.
كما أن معظم هؤلاء اللاجئين شباب ولا يجدون ما يفعلونه. وتتنامى ظاهرة الجريمة بمستويات متدنية. فقد علمنا مثلاً بأنه تم تركيب 55 حنفية ماء ذات يوم، ولكنها سُرقت خلال ساعة واحدة. ووصل الأمر إلى حد تفكيك مركز شرطة المخيم ونقله قِطعاً.
ومع عدم ظهور نهاية للنـزاع في الأفق، يبدو أن أمام اللاجئين في الزعتري وفي أماكن أخرى طريقاًَ طويلاً وسيحتاجون إلى وقت طويل قبل أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم. وفي الوقت الذي يُحسب للأردن أنه أبقى على حدوده مفتوحة في وجه تدفق اللاجئين على نطاق واسع، نشير إلى أنه ليس بلداً غنياً بالموارد. ولذا فإنه يتعين على المجتمع الدولي أن يوافق على إعادة توطين اللاجئين المستضعفين، وضمان تزويد الأردن والبلدان المضيفة بالموارد المالية والتقنية اللازمة لحماية اللاجئين من سوريا ومساعدتهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم