جدتي
جدتي عجوز عجلونية عاشت شبابها في أواخر الاستعمار التركي للمملكة العجلونيه, عاصرت الظلم العثماني للأمة العربية المسلمة , عاصرت أيام النهب العثماني للخيرات البلاد وتقطيع الأشجار الحرجية من اجل عمل الفحم للقطارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت, عاصرت أيام الجهل والتخلف الذي حل بالآمة العربية الإسلامية , شاهدت القتل والذل والهوان والاستهتار للشعوب العربية , شاهدت السخط العثماني على الشباب العربي وجرهم إلى دول البلقان من اجل المشاركة في الحروب التي كانت سائدة في ذالك الوقت.
جدتي العجوز العجلونيه عاشت أواخر حياتها في عهد الاستعمار الانجليزي للملكة العجلونيه وانتقلت من ظلم إلى ظلم أعظم , شاهدت العالم الغربي يجمع على استعمار وتقسيم البلاد العربية إلى دويلات صغيرة تكون تابعة لها وتضع حجارة من الشطرنج للتحكم بقوت الشعب المسكين , عاصرت الانتداب البريطاني ووعد بلفور, وشاهدت عملية تسليم القدس والمسجد الأقصى للمستعمر اليهودي الجديد الذي دخل البلاد الفلسطينية واغتصب أراضيها ومقدساتها , وأنشأ المستعمرات الصهيونية على سهول بيسان ونابلس وفي القدس الشرقية والقدس الغربية , هدم البيوت الفلسطينية وقطع بيارات البرتقال والليمون وزرع مكانها أشجار الغر قد التي سوف يختبئ وراءها يوم الملحمة الكبرى , ملحمة سيدنا عيسى عليه السلام مع الدجال اللعين .
جدتي العجوز العجلونيه كانت امرأة فلاحة بسيطة تحب الأرض وتحب تراب الوطن ,كانت تلبس الحطة الحمراء على رأسها والثوب العجلوني الأسود (الدلق ), وكانت امرأة قومية لها انتماء للأمة العربية الإسلامية, كانت تدافع عن الثوابت القومية العربية الإسلامية , كانت امرأة مثقفه تعرف بالسياسة والاقتصاد والدين والزراعة بالرغم إنها لم تدخل الجامعات العربية ولا الجامعات الأجنبية , ولم تدخل مجلس الأمن الدولي , ولم تدخل مجلس الأمة الأردني ولكنها كانت مخلصة للوطن وتدافع عنه , وكانت تعمل من اجله ,تحرث الأرض وتزرع أشجار الزيتون والرمان والتين والعنب , كان عندها اكتفاء ذاتي من الحبوب والخضروات والثروة الحيوانية , وكانت تصدر الخضروات والفواكه إلى فلسطين والى القدس ونابلس, كانت تتسوق في أسواق القدس وتبيع وتشتري وتعود إلى عجلون محمله بالواد التموينية والحلاوة والراحة والأرز والشاي والتوابل .
جدتي العجوز العجلونيه كانت ضد التطبيع مع اليهود, لم تتعامل معهم على الرغم من كثرة ذهابها وإيابها إلى فلسطين ومكوثها هنالك والقيام بعمليات البيع للعنب والزبيب والتين والقطين, وكانت ترفض البيع لليهود والتعامل معهم وتقول إنكم غرباء مغتصبون للأرض والمقدسات الإسلامية , كانت تقوم بعمليات تسوق في أسواق القدس وأسواق الخليل ورام الله تشتري الملابس والبهارات والأرز, وتعود بها إلى عجلون تعود إلى بيتها وأهلها بالقرب من عين فلاح لتفرح الصغار والكبار والآهل , كانت تصلي في باحة المسجد الأقصى وتقول أن الركعة ب 500 ركعة والله يضاعف لمن يشاء .
جدتي العجوز العجلونيه كانت تطعم الطعام على الرغم من أنها كانت فقيرة وأرملة بس ميسورة الحال وكانت تتقي الله وتخرج الزكاة من الثمار والحبوب وتطعم الحيوانات والطيور من الحبوب, وكانت تحلب الأغنام وتعمل الزبده والرايب والجينة والجميد , وكانت وتخرج زكاة الحليب للقطط والجراوة الصغار , كانت القطط تعوي من حولها وتطلب الحليب ,وتكون على شكل أسراب وجماعات تماوي وتتلاعب وتحرك ذيلها حتى تحصل على الحليب أو الطعام , كانت امرأة كريمة تطعم الطعام حتى للحيوانات الأليفة , قال تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }الإنسان8, وعندما توفيت كانت القطط تماوي بأعلى صوتها وتصرخ , ووجدنا القطط على قبرها في اليوم الثاني من موتها كأنها حزينة عليها , وكانت تخرج يوميا سلة من العنب ومن التين وتضعها على جانب الطريق من اجل عابر السبيل والفقير والمسكين, كانت تحصد القمح والشعير وتترك جزء منه للحيوانات والأغنام .
جدتي العجوز العجلونيه كانت تقاوم الذئاب البشرية من حولها الذين كانوا يحاولون أن يسلبوها جزء من ثمار الزيتون أو العنب في الليل , ويحاولون أن يسرقو جزء من الأرض وينقلون الحديد من مكان إلى أخر طمعا في شبر أو متر من ارض , كانت تسهر الليالي وتحمل السلاح حتى تحمي الأرض وتحمي نفسها من الحراميه المقربين لها وقطاعين الطرق, وتحمي الأبقار والأغنام من الذائب الحيوانية والبشرية .
جدتي العجوز العجلونيه كانت تقول أن الشعب الفلسطيني المشرد سوف يعود إلى ارض الوطن إلى فلسطين إلى القدس في يوم من الأيام , لكن هذا اليوم لم يتحقق إلى حد الآن , وكان هناك عدو واحد للأمة العربية الإسلامية وهو العدو الصهيوني الغاصب .
أم اليوم كم عدو موجود ؟
كم شعب عربي مشرد ؟
كان هناك لاجئ فلسطيني وحيد في العالم ,أم اليوم فهناك العديد من ألاجئين العرب منهم السوري والمصري والعراقي والليبي والحبل جرار, كانت تقول أن هناك هم عربي إسلامي واحد كانت تطمع بالوحدة العربية الإسلامية من اجل الهم الواحد والعدو الواحد (اليهود ), اليوم نسينا العدو الخارجي المغتصب اليهودي اللعين وأصبح هناك أعداء داخليين يحاربوننا في أقواتنا من أبناء جلدتنا , نهبوا البلد وسرقوا وباعوا كل ذاك بسعر زهيد , رفعوا الأسعار جوع الشعب فرضوا الضرائب على الطبقات الفقيرة بل سخطوا ها وزادو في غناهم وكبرياهم , أصبح هناك ميلشيات مسلحة تقاتل بعضها البعض , نسو القتال الخارجي واهتموا بالقتال الداخلي لا ندري من هو الصح ومن هو الخطأ , من هو على حق ومن هو على باطل , أصبح هناك جيش حر وجيش نظامي , أصبح هناك جماعة الأخوان ( جماعة مرسي ) وجماعة السيسي , أصبح هناك الشيعي والسني , أصبح هناك الموالي للحكومة والمعارض للحكومة لا ندري من هذا ومن ذاك .
جدتي العجوز العجلونيه عاشت وماتت شريفة نظيفة خالية من أي جريمة فساد أو اختلاس أو رشوة , ماتت على حب الأرض وحب الوطن والانتماء إليه , ولم تفرط بشبر من الأرض ولم تذهب إلى طاولة المفاوضات السلام , لم تعقد أي صفقة بيع أسلحة أو خصخصة شركة أو مؤسسه , لم تفرط بالمقدسات ولم تتنازل عن أي شيء , لم توقع اتفاقية دفن أسلحة نووية في جبال عجلون أو صحراء المفرق , لم تفكر برفع سعر الكهرباء ولا سعر الخبز ولا سعر البنزين أو أي مواد تموينية .لم ترفع سعر البطاقات الخلويات ولا سعر المكالمات , لم تفكر بدخول اللاجئين وفتح الحدود , لم تفكر بالتسول من الدول العربية وبيع مخصصات الوطن , رحمك الله يا جدتي وأدخلك فسيح جناته.