مجازر طائرات الدرونز الامريكية في ‫اليمن‬ تتفاقم

تم نشره الإثنين 12 آب / أغسطس 2013 01:09 صباحاً
مجازر طائرات الدرونز الامريكية في ‫اليمن‬ تتفاقم
عبد الباري عطوان

في الوقت الذي ينشغل فيه الكثير من العرب والعواصم الغربية بتطورات الاوضاع في مصر، بعد الانقلاب العسكري الذي اطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وخطط الجيش لاقتحام ميداني الاعتصام في رابعة العدوية والنهضة لانهائه بالقوة، تجري في جنوب الجزيرة العربية، واليمن على وجه التحديد مجازر دموية ترتكبها طائرات امريكية بدون طيار "درونز".

في الايام العشرة الاواخر من شهر رمضان المبارك قتلت الغارات الامريكية 30 شخصا بحجة انتماء هؤلاء الى تنظيم "القاعدة"، من بينهم 17 شخصا في منطقة حضرموت وحدها وخمسة آخرون في مدينة مأرب.

هذه الطائرات "درونز" التي تنطلق من قاعدة جوية سرية اقامتها وكالة المخابرات الامريكية المركزية "سي.اي.ايه" جنوب المملكة العربية السعودية وبمحاذاة الحدود اليمنية باتت مثل اسراب الجراد في اجواء اليمن، ولا تتورع عن ممارسة اعمال الاغتيال في وضح النهار وبتواطؤ مع ما يسمى حكومة ما بعد الثورة، او احد ثمارها في اليمن غير السعيد.

الغالبية العظمى من ضحايا هذه الغارات من المدنيين الفقراء المسحوقين مثل معظم ابناء اليمن، وشاهدت بعيني اطفالا رضعا يتم انتشالهم من بين انقاض منزلهم الذي قصفته احدى هذه الطائرات، وهذا الفيديو موجود على "اليوتيوب".

المخابرات المركزية الامريكية فتحت جبهة جديدة في اليمن الذي بات في نظرها مقر القيادة المركزية للتنظيم الجهادي، خاصة بعد قرار الدكتور ايمن الظواهري تعيين ناصر الوحيشي اميرا للشبكة في اليمن واحد نوابه الرئيسيين على غرار قادة ميدانيين آخرين مثل ابو فرج الليبي (اغتيل عام 2003)، ومصطفى ابو اليزيد (اغتيل عام 2010) وابو يحيى الليبي (اغتيل عام 2012) وجميعهم ضحايا غارات بطائرات "درونز".

الشيخ اسامة بن لادن كان يكن معزة خاصة لناصر الوحيشي، الذي عمل مساعدا له وحافظا لاسراره في ذروة صعود تنظيم "القاعدة" في النصف الثاني من التسعينات التي شهدت عمليات نوعية كبرى، مثل تفجير السفارة المصرية في اسلام اباد (1996) انتقاما لتعذيب عناصر من حركة الجهاد في قبوها، والهجوم على السفارتين الامريكيتين في نيروبي ودار السلام (اغسطس عام 1998)، والتحضير لهجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001. وكان يثق فيه ثقة مطلقة، ويصطحبه معه في كل مكان يذهب اليه. ويعتبر من اخطر قيادات "القاعدة" الميدانيين واشجعهم، وكان من بين 23 عنصرا نجحوا في الهروب من سجن يمني محصن امنيا عام 2006 عندما حفروا نفقا تحت الارض.

***

حرب طائرات الـ "درونز" تعتبر حرب الرئيس اوباما شخصيا، فقد استخدمها كبديل عن غزو البلدان المستهدفة في اطار ما يسمى الحرب على الارهاب، لانها حرب غير مكلفة بشريا وماديا مقارنة مع حربي افغانستان والعراق. لكنها حرب غير اخلاقية علاوة على كونها غير قانونية، فأين الاخلاق والشجاعة في استخدام هذه الطائرات المتقدمة تكنولوجيا في قتل اناس معظمهم ابرياء من الجو وبناء على معلومات استخبارية غير دقيقة في غالب الاحيان.

طائرات الدرونز الامريكية قتلت اكثر من 4000 شخص في اليمن تحت غطاء محاربة تنظيم القاعدة وناشطي حركة طالبان، لكن التحقيقات المستقلة اثبتت ان اكثر من نصف هؤلاء من الاطفال والنساء، بل ان احدى الغارات قصفت عرسا، بينما استهدفت اخرى مدرسة ابتدائية في منطقة القبائل على الحدود الافغانية الباكستانية وقتلت العديد من تلاميذها.

هذه المجازر التي ترتكبها طائرات الـ "درونز" الامريكية في اليمن تستمر وسط صمت معيب من قبل ما يسمى بالعالم المتحضر ناهيك عن العرب المتواطئين معها. وكأن هؤلاء الذين يستشهدون يوميا من المدنيين ليسوا بشرا وليسوا عربا ومسلمين بالتالي.

لا نعرف من اعطى الولايات المتحدة ورئيسها تفويضا بارتكاب هذه المجازر في بلد عربي يعتبر واحدا من بين عشرين دولة تعتبر الافقر في العالم، ويقل دخل نصف سكانه عن دولار واحد في اليوم. ونستغرب ان يقبل الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور الذي من المفترض انه يقود يمن ما بعد الثورة الشعبية من اجل الديمقراطية حدوث مثل هذه المجازر على ارض بلاده.

تنظيم "القاعدة" الذي اعلنت الولايات المتحدة الحرب عليه بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بهدف تصفيته، بات اكثر قوة وصلابة وتأثيرا، رغم انها انفقت اكثر من الفي مليار دولار تحت عنوان الحرب على الارهاب، وخسرت ما يقرب من ستة آلاف جندي من جنودها في اتونها.

قبل الحرب على الارهاب كان هناك عنوان واحد لتنظيم القاعدة، اي تورا بورا بافغانستان، الآن بات التنظيم قوة عالمية جبارة، وافتتح فروعا في قلب المنطقة العربية وجوارها، في العراق واليمن ودول المغرب الاسلامي ودول الصحراء والساحل الافريقي والصومال، ولا ننسى سورية وتنظيمي جبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية، وتنظيمات اخرى تعتنق فكر تنظيم القاعدة وعقيدتها.

الادارة الامريكية تكذب وتخدع نفسها عندما تقول ان التنظيم جرى اضعافه، ولكنه ما زال خطيرا، وهو توصيف ينطوي على تناقض فاضح، فكيف تقول انه تم اضعافه ثم تقول انه ما زال يشكل الخطر الاكبر عليها؟

لو كان التنظيم ضعيفا لما اغلقت الولايات المتحدة 21 سفارة لها في منطقة الشرق الاوسط وأمرت رعاياها في اليمن بالمغادرة فورا، وهو ما فعلته دول اخرى مثل بريطانيا.

***

الحرب الفاشلة على الارهاب، والمخطط الامريكي لاذلال العرب والمسلمين وتفتيت دولهم، وتدمير جيوشهم، وخلق دول فاشلة او شبه فاشلة وضعيفة ممزقة جغرافيا وديموغرافيا وكل ذلك لمصلحة الحفاظ على أمن اسرائيل واستمرارها قوية في المنطقة، هو الذي أدى وسيؤدي الى تعزيز قوة تنظيم القاعدة وفروعه المتعددة في المنطقة، وتحوله الى تنظيم غير مركزي وعابر للحدود والقارات.

ناصر الوحيشي، اذا ما كتبت له الحياة، وطول العمر، قد يصبح بن لادن الجديد، فهو ينتمي الى اليمن وجزيرة العرب مثله، ويتمتع بشجاعة واقدام نادرين، وينتمي الى اسرة غنية، وتتوفر فيه صفات قيادية وتنظيمية مماثلة لتلك التي يتمتع بها معلمه وقدوته الذي تتلمذ على يديه في قندهار وتورا بورا.

جميع فروع تنظيم القاعدة مهمة وخطيرة، ولكن اخطرها في رأينا هو فرع اليمن والجزيرة العربية، ليس لانه قريب من آبار النفط والانظمة الخليجية المحافظة، والنظام السعودي منها على وجه الخصوص، وانما لانه يعيش في كنف حاضنة شعبية شديدة العداء للولايات المتحدة والغرب، ولحلفائهما من انظمة خليجية تقتر عليهم بمساعداتها واستثماراتها المالية على حد وصفهم.

طائرات الـ "درونز" الامريكية المنطلقة من قاعدتها الجوية في السعودية قد تقتل بعض عناصر تنظيم القاعدة، او قياداته ومعهم المئات وربما الآلاف من الابرياء، الاطفال والنساء والشيوخ، ولكنها قطعا لن تقضي على هذا التنظيم، بل ستزيده خطورة، وتوفر الاسباب له لتجنيد الآلاف في صفوفه من الشباب اليمني والاسلامي المحبط والغاضب المعبأ باحاسيس الاهانة والاذلال على ايدي الغرب وامريكا وعبر تواطؤ حلفائهما العرب والمسلمين.

( صفحة عبد الباري عطوان على فيس بوك )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات