ترى هل نفقده ...!
أصبحت رائحة الدماء تلاحقنا من كل ناحية في هذه الأيام مع الأسف، حتى بات أحدنا يرغب في إلغاء اللون الأحمر من حياته، لولا أنه يرمز إلى الورود الحمراء في بعض الأحيان.
ولعل هذه الورود الحمراء في حياتنا تكون موضوع سطورنا القادمة، فخلال زيارتنا لأحد مراكز رعاية الأيتام مؤخراً، ورؤيتنا لهؤلاء الأطفال الذين ينتظرون بفارغ الصبر من يرسم إبتسامة بريئة على وجوههم، أو يمسح دمعة حزينة من عيونهم، أخبرتنا مديرة المركز بمجموعة من القصص التي يتفطر لها القلب، من أم تهدد المركز بالشرطة في حال إعادة أبنائها لها، وأخرى ترمي أبنائها لدى أقاربها لتعذيبهم، وتتفرغ هي لزواجها الجديد !!
وبين هذا وذاك خطر لنا سؤال مديرة المركز عن أي قصة نجاح بين هذه الآلام المتراكمة التي تسير على الأرض، لتفاجئنا بقصة فتاة قضت عمرها بأكمله لديهم في مركز الأيتام، ثم أكمل المركز لها دراستها، لتنهي دراستها الجامعية بتفوق، والمصادفة تعيينها بعد ذلك في وزارة التنمية الإجتماعية وتتزوج الفتاة وتنجب، وتصبح اليوم زائرة دائمة للمركز مع عائلتها لتساهم في رسم السعادة والابتسامة على وجوه الأطفال المتواجدين فيه، فسبحان من يخلق من الألم أملاً ونجاحاً.
مثل هذه القصص هي التي تعزز واجبنا ودورنا في المجتمع بتشجيعها وتعزيز المبادئ الحقيقية السمحة التي تعلمناها من قدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن دين الإسلام الذي بعث بتعاليمه خير البشر إلى البشرية جمعاء لنشر المحبة والإخاء والتعايش فيما بينهم.
ولعل الصدمة التي رأيناها في وجوه غير المسلمين، بل وبعض المسلمين في قسم العلاج الكيماوي لمرضى السرطان خلال إحدى زياراتنا الأخيرة لهم كانت تعزز لدينا ضرورة نشر هذه المبادئ، بعد أن بادرنا أحدهم بالسؤال مستغرباً: هل جئتم لمعايدتنا فقط !
ليتبادر لأذهاننا تساؤل عن السبب الذي يدفع البعض لنشر الكراهية والبغضاء والإجتهاد في ذلك، برغم أننا من أقدر الأمم على محبة بعضنا ومحبة الآخرين، بوجود القرآن الكريم وتعاليم دين المحبة والإخاء فيما بيننا.
كان هناك فتاة في عمر الزهور تحب الحياة لكنها لا تملك أي أمل فيها، فهي لا تؤمن بشيء إسمه (أمــل)، برغم أن كل من حولها كان أملهم في الله لا ينقطع، وفي يوم من الأيام كانت الفتاة مرهقة فخلدت إلى النوم، وفي المنام جاءها صوت ترافقه رائحة طيبة، فتعجبت الفتاة من الصوت وسألته من يكون؟ ليأتيها الجواب: أنا الذي لم تؤمني بأن لي وجود في يوم من الأيام، أنا من قالوا عني بأنه لولاي بعد الله لم يبقى في الحياة رجاء ولم تشرق شمس لغد، أنا الأمــــــل ! لتتعجب الفتاة قائلة: لا يوجد شئ إسمه الأمــل !
فيرد عليها الأمــــــل :إذا كان لا يوجد أمل فكيف ينتظر الطائر صباح الغد ليعمل على تأمين الغذاء لأبنائه، أليس لأن لديه أملاً بالغد؟ وكيف لا يكون هناك أمل والأرض الميتة لم تيأس من رحمة الله فأنزل الله المطر عليها فأحياها، ثم كيف لا يكون هناك أمل والعامل لديه أمل بأن رزقه سيكون أكثر من اليوم الذي قبله، والمزارع لديه الأمل بأن الغد سيكون حصاده أكثر وأفضل.
عندها أجابت الفتاة بحياء وخجل: لقد كانت عيناي مغمضتين عن هذا كله، سامحني أيها الأمـــل.
فقال لها الأمــل: فلنجعل شعارنا (أن الأمــل عنوان الحياة، فلا حيــاة دون أمل، ولا أمل دون حيــاة)، وبالأمل المشرق نزيل بإذن الله ظلام الليل.
ومع نهاية هذه القصة وما سبقها، ومع كل ما نسمعه من قصص القتل والتخريب والدمار والدماء، ترى هل نحافظ على الأمل في إعادة إحياء الورود الحمراء في حياتنا، أم ترانا نسمح للدماء أن تطغى على كل ما هو جميل في حياتنا ونفقده لهذا الأمل من حياتنا ...!