إسرائيل.. الحاضر الغائب في ضربة سوريا

تعلن القوى الدولية والإقليمية المتحمسة للضربة العسكرية ضد النظام السوري أنها تأتي كرد فعل على مجزرة الغوطة، واستخدام النظام للسلاح الكيميائي، وتبدو إسرائيل في قلب هذا الهجوم الوشيك، على الأقل بالنظر لتبعاته الميدانية ونتائجه العملياتية.
وربما السؤال الأكثر تكرارا في تل أبيب اليوم: هل سترد سوريا على الضربة بتوجيه قذائفها المدفعية نحو المدن الإسرائيلية أم تكتفي برفع سقف تهديداتها الخطابية فحسب دون حراك ميداني؟ وهل ستقوم بذلك بالأصالة أم عبر حلفائها في المنطقة؟ ولو حصل ذلك، كيف سيكون الرد الإسرائيلي على الفعل السوري المستبعد؟
تقدير الموقف
تعيش الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من تقديرات الموقف التي تزودها بها الأجهزة الاستخبارية، وصدرت العديد من التصريحات التي أكدت أن إسرائيل ستعرف كيف تدافع عن نفسها في وجه من يحاولون مهاجمتها، ولسان حالها يقول: "عيوننا على سوريا، وأصابعنا على الزناد"، متخذة كافة الاستعدادات لمواجهة السيناريوهات المحتملة بالتزامن مع توجيه الضربة الأميركية.
وتقول الكثير من التقديرات الإسرائيلية إن الأسد اضطر "أوباما" لأن يفعل فعلا، ويتخذ قرارات لا يريد اتخاذها، لكنه مُجبر ليعيد ثقة العالم بالولايات المتحدة، مع أدنى قدر من تعريض قواتها ومصالحها للخطر.
ولما كانت عملية برية في سوريا غير مأخوذة بالحسبان، فقد بقي الهجوم الجوي بطائرات وبصواريخ بحرية، ويمكن أن تكون أهداف الهجوم إستراتيجية كجعل سماء سوريا منطقة حظر طيران، أو تكتيكية كضرب أهداف محدودة متصلة بمنظومة السلاح الكيميائي، وبصواريخ أرض-أرض، أو كل هدف رمزي آخر لردع الأسد عن استعماله مرة أخرى.
وترى إسرائيل أن فرض حظر جوي على سوريا يوجب الاحتكاك الطويل مع منظومات الدفاع الجوي، مما يرفع مستوى التوتر، فيما الهجوم المحدود على بعض الأهداف للردع عملية قصيرة الأمد ستُمكّن الأميركيين من إظهار الفِعل دون تورط، وقد يرجح كفة المسلحين مقابل العملية التكتيكية التي لن تُغير توازن القوى.
ولذلك فإن ما يرجحه الإسرائيليون أن الهجوم على التقديرات التكتيكية قد يتجاوز الحدود الإستراتيجية التي صدت تدخلا عسكريا في سوريا، وإذا كان الافتراض الإسرائيلي أن تكتفي روسيا بتنديد شديد، ولا تُرسل قوات لحماية النظام، ولا تُقرب سفناً حربية من ميناء طرطوس، فسيبقى سؤال "اليوم التالي": من سيتمتع بثمرات الهجوم؟ ومن سيتولى الحكم إذا سقط الأسد؟
هنا يستطيع "أوباما" أن يُنعم سياسيا على نفسه بأن يهاجم عدة أهداف في سوريا، ويُظهر تمسكه بالخط الأحمر الذي خطه قبل سنة، وهو تقدير مهم لرئيس شعبيته تتدهور، لكن حينما يُجهدون قوة كبرى لتضرب دولة أخرى، أو تُسقط نظاما، فمن المناسب أن يكون السبب والنتيجة تلائم القوى العظمى، مما يعني أن استعمال السلاح الكيميائي قتل أكثر من 1200 إنسان، وقُتل بالسلاح التقليدي أكثر من 100 ألف آخرين، وهذا سبب جيد وبقدر كاف لإسقاط النظام.
يأخذ الإسرائيليون في الحسبان أن يستغل الأسد أي هجوم عليه ليوسع المعركة مع إسرائيل ليظهر كبطل سوري عربي، وهنا خرجت بعض الأصوات الإسرائيلية المحذرة مما أسمته "شراء المواقف المغرورة" التي يطلقها قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتهدد بأنّه إذا تجرأت سوريا على استهداف إسرائيل فستعيدها للعصور الوسطى، مطالبة بالتعاطي بشك مع هذه التهديدات، لأنه في الطريق لذلك سيصاب آلاف الإسرائيليين.
وهو ما دفع لأن توجد "المسألة السورية" في قلب النقاشات الإستراتيجية بين إسرائيل وحلفائها في الفترة الأخيرة، لأنّه في حال شعر الأسد بأن نظامه يتعرض لخطر ملموس، فإن كل السيناريوهات ينبغي أن تؤخذ في الحسبان عقب تنفيذ الضربة التي يفترض الإسرائيليون أن تكون في مرحلتها الأولى مقلصة ومركزة، سواء للامتناع عن التورط العسكري، أو الخشية من أن يدفع شن هجوم واسع الأسد لاستخدام الكيميائي ضد معارضيه، على قاعدة أنه لم يعد هناك ما يخسره.
لكن التحدي الأساسي يكمن في بقاء إسرائيل خارج الصورة، رغم خشيتها من أن تحاول سوريا أو حزب الله أو إيران توجيه النيران نحوها من أجل إرباك الموقف، أو توحيد العالم العربي ضدها، ولذلك من المعقول أن نرى تنسيقا معززا مع واشنطن التي ستدافع عن تل أبيب في حال هوجمت من قبل سوريا وحلفائها.
وقد تم تزويد إسرائيل بمعلومات أميركية مؤكدة أن الضربة لن تؤدي لانهيار النظام، بل لكبح جماحه ومعاقبته، وفي هذه الحالة قد لا يكون الأسد مضطراً لـ"تكسير الأدوات"، عبر مهاجمة إسرائيل، وتعريض نظامه لخطر السقوط.
ورغم أن هناك قطاعا واسعا من دوائر صنع القرار الإسرائيلي يستبعد احتمال أن تشنّ سوريا هجوماً صاروخياً ضد إسرائيل في حال نفذت الولايات المتحدة تهديداتها بمهاجمتها، لكنها في جميع الأحوال عليها أن تكون مستعدة من الناحيتين الهجومية والدفاعية، لأنّه في حال شن هجوم أميركي فسيتم إخطارها مسبقاً.
اللافت في إسرائيل تلك القراءة الاستخبارية لـ"سيكولوجية شخصية الأسد"، فطالما كان بإمكانه البقاء بعد أي هجوم أميركي فلن يهاجم إسرائيل، ولن يدخلها كقوة ضده، لكنه في اللحظة التي يشعر فيها أن مصيره حُسم فقد يرى في عمل ضدها أمراً جذاباً، وما يقلقه بهذه المرحلة كيف يخلص نفسه وعائلته من المصير الذي ينتظره، ولذلك فلن يرد على إسرائيل لو هاجمته الولايات المتحدة، لعلمه أن عنده الكثير مما يخسره إذا قام بذلك.
كما أن استبعاد إسرائيل لقيام النظام السوري بالرد على العملية العسكرية يعود لكونه في صراع على البقاء، ولن يغامر بفتح مواجهة معها، لأن هذه الخطوة ستضعفه في مواجهة الثوار المسلحين الذين قد يستغلون الهجوم الجوي الأميركي للتقدم الميداني على الأرض.
لكن ذلك لا يلغي القناعة الإسرائيلية بقدرة سوريا على الرد، رغم أن التقديرات العامة تشير إلى أن الأسد لن يخاطر في المرحلة الحالية -وهو يصارع للبقاء في الحكم- بتوجيه ضربة أو شن أي هجوم ضد إسرائيل، خاصة أنه لم يرد عسكريا على الضربات التي تعرض لها في العامين الأخيرين.
كما أن احتمالات قيام حزب الله بإطلاق الصواريخ على إسرائيل ضعيفة، في ظل الانتقادات الموجهة له داخل لبنان.
( المصدر الجزيرة نت )