معالم توافقات عالمية والعـرب هـم الضـحـيـة

تشير تطورات المشهد العالمي، نحو بروز مؤشرات قوية على بلورة توافقات عالمية بخصوص المنطقة العربية التي يطلق عليها الشرق الأوسط، والتي تشكل منطقة التماس وحدود المواجهة بين الشرق والغرب على مدار سنوات طويلة، بما تشكله المنطقة من موقع استراتيجي بالغ الأهمية، وبما تحويه من ثروات نفطية ضخمة، وثروات أخرى غنية وكبيرة، بحيث أصبحت محلاً للأطماع العالمية، وخطاً للمواجهة بين القوى الكبرى على الصعيد العالمي والإقليمي.
هناك ملامح لتوافق دولي بين أمريكا وروسيا يتبلور على أثر تطورات المشهد السوري والمجزرة الكيماوية التي حدثت في الغوطة وذهب ضحيتها ما يزيد على (1500) مدني، والتي أدت الى صدور قرار عن مجلس الأمن يقتضي بتجريد النظام السوري من ترسانته النووية، والذي يفرض دخول الخبراء الدوليين المختصين دون قيود أو عوائق، وشكل القرار بداية لمرحلة جديدة تهيء لاتفاق جنيف بما يخص التفاهمات الدولية حول مصير الدولة السورية ومصير النظام، ومصير المنطقة كلها التي تتعرض لتغيرات طارئة وحاسمة.
أمريكا واسرائيل من جهة ومعها حلفاء وأطراف أخرى، وروسيا وايران من جهة أخرى ومعها حلفاء ومؤيدون وأطراف أخرى كذلك يمثلون اللاعبين الرئيسين في المشهد، حيث جرى بعض الاتصالات المهمة بين الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني وصفت بأنها تشكل بداية لتفاهم جدي حول المشروع النووي الإيراني، سوف يكون له تداعيات مهمة حول الإمتدادات الإيرانية في المنطقة العربية.
إيران استطاعت خلال السنوات السابقة أن تمتلك أوراق تفاوض ضاغطة في المنطقة العربية، أهمها حزب الله في لبنان، وكذلك بناء قوة شيعية حاكمة في العراق، وبناء علاقة تحالف استراتيجي عميق مع النظام السوري، بالاضافة الى اختراقات واضحة ومؤثرة في اليمن وفي فلسطين، وفي أغلب دول الخليج، مما جعل إيران لاعباً إقليمياً قوياً، ينبغي أن يكون له دور وحصة وافرة في أي اتفاقات دولية تخص المنطقة.
الخاسر الأكبر في هذا المشهد هم العرب، بل هم الضحية، وأصبحوا يمثلون القصعة التي يتداعى الأكلة عليها، كما جاء الحديث الشريف الذي جاء فيه: « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ « .
الغثائية التي يملكها العرب، جاءت نتيجة عدم الأخذ بأسباب القوة، او بسبب الأنظمة الحاكمة المستبدة التي فرطت بحقوق شعوبها وأمعنت في سياسات القمع والكبت ومصادرة الحريات، و ولغت في الفساد والاستيلاء على ثروات الشعوب، وحولت الجيوش إلى أدوات قمع داخلي، وأغرقتها في معارك داخلية مع شعوبها لا نهاية لها ولا أفق إلا بتدمير الدولة، وتدمير مؤسسات الشعب، وتحويلها الى ركام وغنائم للدول الطامعة الكبرى والقوى الإقليمية الصاعدة.
( الدستور )