أوباش هذا الزمان

تم نشره الأحد 13 تشرين الأوّل / أكتوبر 2013 01:59 صباحاً
أوباش هذا الزمان
فهمي هويدي

وصف المفتى السابق الذين خرجوا للتظاهر من شباب الجماعات الإسلامية (الإخوان وحلفاؤهم) بأنهم أوباش. واتهمهم بالنجاسة وبأن رائحتهم نتنة فى الظاهر والباطن، وأنهم مثل الخوارج يعدون ضمن كلاب النار. وهو حين فعل ذلك فى تسجيل متداول هذه الأيام، أهان العمامة التى فوق رأسه والعلم الذى ينتسب إليه. وليست هذه هى الكارثة الوحيدة، لأنه قال هذا الكلام الجارح أمام حشد من كبار الضباط والمسئولين، يتقدمهم وزيرا الدفاع والداخلية.

أزعم أننى أعرف شيئا عن لدد أهل العلم وعن استخدام بعضهم للنصوص الشرعية والآراء الفقهية فى اغتيال معارضيهم والفتك بهم ونهش لحمهم وأعراضهم، إلا أننى اعتبرت ما قاله المفتى المذكور كلاما فريدا فى بابه،ليس فقط للمستوى المفجع الذى عبر عنه، ولا المدى الذى ذهب إليه فى الهجاء والتجريح. ليس فقط لطبيعة قذائفه التى يفترض أن يتأبى عليها أهل المروءة ناهيك عن أهل العلم، ولكن أيضا لأنه تكلم عن أناس يعرفهم جيدا وقد خبرهم حينا من الدهر، وأنا شاهد على صلاته الوثيقة معهم قبل أن يتولى منصب المفتى وقبل ان يلتحق بركب السلطة.

لست أدعى أن أولئك الناس الذين اعتبرهم الدكتور على جمعة أوباشًا فوق النقد، لأن نقدهم واجب لا ريب، لكن ما صدر عن الشيخ لا علاقة له بالنقد، ولا علاقة له بأدب الحوار ولا أخلاق العلماء.

إذا كانت تلك كارثة بالمقاييس الأخلاقية قبل العلمية أو الفقهية، فإن أم الكوارث أن يتحول ذلك الخطاب الذى صدر عن صاحبنا مدرسة فى الخصومة ونهجا فى إدارة الخلاف قام الشيخ بدور الريادة فيه. وهو الذى أفتى فى السابق بجواز قتل المتظاهر الذى يحمل السلاح، علما بأن بيانات الداخلية تدعى فى كل مرة أن المتظاهرين يحملون السلاح، وأنها قتلت من قتلت دفاعا عن النفس. وهو ما حدث فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وصولا إلى فض اعتصام رابعة العدوية. وذهب به اللدد حدا جعله يفتى ببطلان حجة أى شخص يرفع أثناء أداء المناسك صورة الشعار الذى ذاع أمره بعد اعتصام رابعة (الكف المرفوعة التى تظهر الأصابع الأربعة). لقد سار على دربه شيخ آخر نافسه فى اللدد فأفتى أخيرا بحرمة التعامل مع المحال والمشروعات التجارية التى يملكها أفراد ينتمون إلى الإخوان، واحتج فى ذلك بالنص القرآنى الذى يدعو إلى التعاون على البر والتقوى والنهى عن التعاون على الإثم والعدوان. وقد اعتبر صاحبنا أن الشراء من تلك المحال من قبيل ذلك التعاون المنهى عنه.

هذا الانخراط فى الشيطنة المقترن بالحض على كراهية الآخر ومخاصمته ليس مقصورا على الشيخين، ولكن لهما نظائرهما من الخطباء الذين تسابقوا فى الذم والتجريح، خصوصا حين أدركوا أن ركوب هذه الموجة يحظى بالرضا ويفتح الباب للنجومية والشهرة. فضلا عن الترقى وتحقيق الطموح الوظيفى.

كنت قد دعوت من قبل إلى إنقاذ القضاء من أهواء بعض القضاة. وكثيرا ما انتقدت الردح الإعلامى الذى يمارس من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، فيشوه إدراك الناس ويصرفهم عن المشكلات الحقيقية التى تواجه المجتمع، وها هو الوباء ينتشر فى أوساط بعض شيوخنا الذين يعتلون المنابر. ولأن ذلك الخطاب له صداه فى مجالات أخرى (سمعت أغنية تنتقد آخرين وتصفهم بأنهم أولاد الكلب!)، فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن ذلك التدهور ليس منسوبا إلى فئات بذاتها ولكنه من سمات مرحلة استخرجت من كثيرين أحط وأسوأ ما فيهم، وهو ما سبق أن انتقدته ذات مرة حين كتبت عن «الوحش الذى ظهر فينا».

عندى سؤالان اختتم بهما، الأول يتعلق برد فعل الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى تصادف أننى شاهدت الشريط للمفتى السابق فى نفس اليوم الذى طالعت فيه الحلقة الثالثة من حواره المنشور الذى قال فيه إنه ليس من المنافقين الذين انتقدهم الحديث النبوى وعدد منهم الذى «إذا خاصم فجر»، وسؤالى هو: هل ما قاله الشيخ المذكور يعبر عن ذلك النوع من الخصومة أم لا؟

سؤالى الثانى موجه إلى وزير الأوقاف وغيره من المسئولين الذين حذروا الخطباء من التورط فى الشأن السياسى، وسؤالى هو: أليس ما صدر عن المفتى السابق نموذجا لتوظيف الدين فى الصراع السياسى، وهل الحظر مقصور على المعارضين وحدهم أم انه يشمل مؤيدى النظام أيضا؟ ــ سوف يفحمنى الوزير أو غيره إذا قالوا لى إن الحظر قائم على الجميع، لكنه ينصرف إلى الخطب وحدها، وما صدر عن الشيخ وصلة سباب وليس خطبة، الأمر الذى يخرجه من نطاق الحظر لأن أمره مفروغ منه.

( الشروق المصرية 13-10-2013 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات