أسوار برلين «العربية»!

تم نشره الأحد 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2013 12:20 صباحاً
أسوار برلين «العربية»!
خيري منصور

حين كان الألمان يحتفلون بهدم سور برلين قبل ما يقارب الربع قرن كانت أقطار عربية على موعد مع بناء أسوار منها الايديولوجي ومنها ما يشيد بالاسمنت، تماماًَ كما ان العالم في ذلك الوقت كان يبحث عن سياقات اقتصادية وثقافية وأمنية تلتئم خلالها الدول الصغرى، فيما يجدد العرب صلاحية الدولة القطرية المنكفئة داخل شرنقتها، انها سباحة مضادة للتاريخ، وقد تنتهي الى انتحار قومي اذا لم يوضع لها حد.

في بغداد التي عاشت عمرها تحت سقف حضاري واحد ولم تختلف حول الطائفة التي ينتسب اليها المتنبي والفراهيدي والسياب اقترح السابحون ضد التاريخ بناء أسوار بين الكاظمية والأعظمية، ومن شجع هذا التوجه هم هؤلاء الاشبه بالأم الكاذبة التي قبلت حكم القاضي بشطر طفلها الى نصفين بالمنشار.

وجربنا من قبل ان تكون هناك بيروت شرقية وأخرى غربية، رغم ان اللبنانيين لا يختلفون طائفيا حول فيروز ووديع الصافي وشجرة الارز والشعر المهجري وخليل حاوي الذي تدفق الدم من قلبه ليغمر الشرقية والغربية معاً عشية الاجتياح!

العالم يتجه نحو الالتئام والعرب كعادتهم اختاروا من بين مخلوقات الله الأميبا والدودة الشريطية والهايدار لأن عبقريتهم طالما تجلت في الانشطار وخصخصة الهوية الوطنية، بدءاً من قيس وعين والأوس والخزرج مروراً بالغساسنة والمناذرة حتى الاشتباك هذا اليوم في مدينة طرابلس بين التبانة ومحسن.

والمطلوب على ما يبدو هو تعميم شطري مدينة طرابلس على مدننا العربية كلها بحيث يكون لكل واحدة منها جبهتان تحملان أسماء اخرى ليست بالضرورة تبانة طرابلس ومحسنها!.

حدث هذا في القاهرة أو أوشك ان يحدث، وكأن الجغرافيا السياسية الجديدة للوطن العربي هي اعادة رسم التضاريس وخطوط الطول والعرض طائفياً ومذهبياً!

قتلى طرابلس من التبانة ومحسن لبنانيون، وقتلى ليبيا ليبيون وقتلى العراق عراقيون وقتلى مصر مصريون، لهذا لا قيمة للجداول التي تنسب هذا الرقم أو ذاك من القتلى الى فصيل أو حزب أو جهة.

أذكر ان صديقاً ارسل لي بطاقة معايدة من برلين كانت قطعة صغيرة جداً من سور برلين المهدم، ولم يخطر بباله ان يقول لي احتفظ بها لأن مدن العرب تحتاج الى اسوار.

وأخطر هذه الاسوار ليس من حجر وأسمنت وفولاذ، بل هو من مفاهيم وثقافات بائدة، وعصاب طائفي وصراع قبائل.

تبانة طرابلس ومحسنها ليستا خاتمة المطاف اذا استمرت الذهنية ذاتها، وقد فتك بها فيروس التذرر الوطني وقابلية الواحد للقسمة على الف!!

( الدستور 2013-10-27 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات