حالة وطنية ذات محتوى فكري
الشعور الوطني المتأجج ،الذي يملأ الجوانح ، ويفيض من القلب إلى الجوارح ، أمر مطلوب بل هو واجب مفروض ، لأنه يشكل الزاد والوقود لدوافع العمل والبناء والتضحية ، ويدفع نحو التفاني في الخدمة ، والشعور بمتعة التعب ولذة البذل للغالي والرخيص، من أجل رفعة الوطن وتقدمه والذود عن حياضه، عندما يكون محمولا بطريقة صحيحة وبأهداف نبيلة .
ما ينبغي الالتفات اليه بقوة في هذا السياق أن يتوجب مزج الشعور الوطني بالمحتوى الفكري القائم على أطروحة متكاملة ومتناسقة ، تتسم بالعمق والأصالة ، وتخلو من التسطيح والتبسيط المخل ، وقادرة على الاقناع، واشباع نهم العقل الشبابي للابداع والابتكار ، مما يؤدي الى تشكيل الاطار الواسع القادر على استيعاب مخزون الطاقة الجمعي الكبير المحتشد في الاجيال الشابة التواقة للنهوض والاعمار .
يجب الشروع بتشكيل الحالة الوطنية الأردنية الممزوجة بالوعي الفكري والتقدم العلمي المبثوث في عقول الأعداد الكبيرة من أصحاب الشهادات العليا ، والتخصصات المتميزة في معظم حقول المعرفة بالاضافة الى العقول المهاجرة الباحثة عن البيئات القادرة على استيعاب نشاطهم العلمي ،أو الباحثة عن التقدير والاحترام الذي يليق بالكرامة ، أو متطلبات الحرية .
إن الاقتصار على تنمية الحس الوطني بطريقة غريزية تقوم على التعصب ، أو الانتماء الفطري للأرض أو الجهة ، لا يكفي لتكوين الحالة المطلوبة التي تدفع نحو الانجاز الحضاري ، وليست كافية لتشكيل القاعدة الصلبة التي تحمل البنيان المنشود.
كل الناس ، وجميع المجتمعات البشرية تملك حب الأرض ، والانتماء للأوطان ، مع بعض التفاوت القليل والتباين البسيط الذي يمكن التغلب عليه بقليل من الجهد ، ولكن التفاوت الواسع والتباين الشاسع يظهر في التحصيل العلمي والعمق الفكري ، القادر على جمع الجهود ولملمتها في محصلة بنائية تحقق الانجاز الوطني الكبير الذي يعود على جميع افراد الشعب بالقوة والمنعة والتقدم والحماية والأمن.
نحن امام حالة تستحق المعالجة ، فهناك فريق يحاول انتاج حالة وطنية بدائية، تخلو من المضمون الفكري وتقتصر على استنهاض العاطفة الوطنية؛ الممزوجة بالخوف من الفكر والسياسة ، وتستعين أحيانا بالعصبية الضيقة أو الانتماء العشائري ، وتضطر أحيانا أخرى لاستحداث الخصومة الجهوية أو الاقليمية من أجل استثارة كوامن الانتماء الوطني السطحي ، وهناك فريق اخر يحاول ايجاد الأطر الفكرية أو السياسية التي تتغاضى عن الروح الوطنية ، او تحاربها بالاهمال والازدراء والتقزيم والاستعلاء، تحت ستار ايدولوجي يقوم على النفور من التعصب الاقليمي ، أو يحمل غطاء مواجهة الاستجابة لمخططات التقسيم الدولي!!
نحن بحاجة ماسة لمعالجة حالتي التفريط والافراط في وقت واحد ، فما هو غني عن القول أن حب الوطن والانتماء له ؛ بطريقة تؤدي الى القيام بواجب البناء والحماية على اكمل وجه، وتحقيق مستوى متقدم من التطوير والتحديث في الادارة والانجاز على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية ، لا يتناقض مع الفكر الاسلامي الصحيح، ولا يتعارض مع الانتماء العروبي والقومي الاصيل، ولا يتصادم مع أي اطار فكري انساني قيمي.
ولذلك يجب إزالة التناقض بين مقتضيات الايمان والانتماء الوطني ، ويجب ازالة التعارض المصطنع والمزيف بين مشروع الاصلاح الوطني وبين كل مشاريع التحرر العربي والاسلامي ، وازالة كل الموانع امام الانخراط في الجهود الوطنية في كل ميادين الاصلاح الشامل ، المصحوب بالأشواق الاصلية نحو الوحدة العربية أو نحو التكامل مع العالم الاسلامي .
( الدستور 2/11/2013 )