ولكن أين تقع اميركا؟

عشية وصول جون كيري الى اسرائيل وكلامه عن "احراز تقدم في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين وعن وجود امكان للتقدم"، كان بنيامين نتنياهو يفرض معادلة ليس من شأنها افشال هذه المفاوضات التي بدأت قبل ثلاثة اشهر فحسب، بل ان تمحو فلسطين مبتلعة كل اراضيها!
يحاول نتنياهو فرض معادلة "الارض في مقابل الاسرى"، ففي مقابل إطلاق 26 من الأسرى القدماء، اعلنت الحكومة انها ستبني خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، اي بمعدل 192 وحدة مقابل كل أسير. واذا تذكرنا ان في السجون الاسرائيلية سبعة آلاف أسير، فان اطلاقهم سيفرض إقامة مليون وربع مليون وحدة استيطانية، بما يعني ان اسرائيل ستبتلع كل ما تبقى من الضفة الغربية وقد تحتاج الى توسيع الاحتلال الى خارج فلسطين لكي تستقيم "المعادلة الحسابية"!
صحيفة "هآرتس" تنقل عن "الليكود" ان توسيع الاستيطان هو تعويض [ تعويض؟] عن إطلاق الاسرى. اذاً في وسع صائب عريقات [كبير المفاوضين] وتسيبي ليفني ان يستقلا عربة الى الفضاء الخارجي بحثاً عن أوهام الاتفاق، فاذا عادا لن يجدا ارضاً فلسطينية للهبوط عليها، لأنه من "النيل الى الفرات أرضك يا اسرائيل" ولأن التطورات ما بين النيل والفرات تتردى وتغرق في الصراعات، بما قد يساعد على هذا المخطط الذي ترعاه واشنطن رئيساً بعد رئيس وادارة بعد ادارة!
في المقابل، تبدو تصريحات كيري قمة المساخر، وخصوصاً عندما يحذر اسرائيل من فشل المفاوضات ويسألها هل تريد انتفاضة ثالثة، ولكأن دور الشريك الاميركي الذي يكرر معزوفة قيام الدولتين، هو طرح الاسئلة وليس ليّ الأذرع في تل ابيب، ولهذا اكتفى كيري بسؤال نتنياهو: "كيف يمكن وانت تقول انك تريد السلام وتعمل من اجله، ان تعلن أنك تخطط للبناء في مكان سيصبح في المستقبل فلسطين، هذا يثبت أنك غير جدّي لأن قاعدة التوصل الى السلام معرفة أين تقع اسرائيل وأين تقع فلسطين"... ومن الضروري ان اسأل: ولكن أين تقع اميركا؟
هل يريد أو بالاحرى هل يجرؤ باراك اوباما، الذي سبق لنتنياهو ان مرّغه بالوحول، ان يعرف فعلاً اين تقع فلسطين، وهل تسمح له التحولات الاميركية السياسية الاستراتيجية، بأن يفرض على اسرائيل [نعم يفرض] إستجابة الشروط التي تساعد على نجاح المفاوضات التي تجترّ الفشل منذ ربع قرن، وخصوصاً الآن بعد انفتاحه المترامي على ايران وهو ما يثير حنق اسرائيل، ومع بداية تحوّل سياسته الإستراتيجية من هموم المنطقة الى الهم الصيني في آسيا؟
لا داعي للجواب، فقد عرفنا كيف سبق لاوباما ان هدد دول العالم بكل فظاظة، لمنع محمود عباس من إدخال فلسطين في عضوية الامم المتحدة!
( النهار اللبنانية 2013-11-10 )