مصطلحات قاتلة!!

تم نشره الإثنين 11 تشرين الثّاني / نوفمبر 2013 01:14 صباحاً
مصطلحات قاتلة!!
خيري منصور

عندما سئل قاتل الكاتب المصري فرج فودة في التحقيق عن سبب ارتكابه الجريمة، اجاب بكلمة واحدة.. لأنه علماني، وحين سأله المحقق ما هو تعريفك للعلماني؟ أجاب بأنه لا يعرف!

تلك الحادثة قد تختزل الكثير مما يمكن قوله عن حالة استلاب الوعي، وفلسفة التحريض، لكن بلا اية حيثيات أو دراية، فالمصطلحات التي ترصع بها اللغة السياسية كما لو أنها حجارة كريمة أصبحت بلا دلالات، وضاعفت البرامج الفضائية من هذا الالتباس.

ذكرني التحقيق مع قاتل فرج فوده بعبارة سمعتها ذات يوم من شاب فلسطيني كان ينتسب الى فصيل يساري، وحين ذكر اسم أحد قادة الفصيل امامه قال انه منذر، وعرفت فيما بعد انه يقصد كلمة مُنّظر، ولكي أتأكد من ذلك طلبت منه ان يحدد معنى منذر فقال ان ذلك الرجل هو من يوجه الانذارات، ليس بمعنى العقاب للاعضاء لكنه ينذرهم بالخطر!

هذا الخلط العفوي بين التنظير والنذير هو من افراز خطاب سياسي محفوظ عن ظهر قلب، على طريقة ما كنا نسميه في المدرسة البصم، ومن يدري لعل ذلك الشاب لو كان اليوم حياً لخلط بين التنظير السياسي والتنظير الطبي للمعدة!

وبالعودة الى مصطلح العلمانية فهو من المصطلحات التي لا تستخدم على الاطلاق الا اذا تطلب السيّاق توضيح مفهوم آخر مضاد فهي بالنسبة للبعض فك ارتباك جذري مع الدين، وبالنسبة لآخرين مفهوم اوروبي مستورد، ولماذا نذهب بعيداً، فقبل عقود كان البعض يتصورون ان شهادة العالمية التي يمنحها الازهر الشريف مشتقة من العالم وليس من العلم، رغم ان الفارق بين المصطلحين هو مجرد كسرة على حرف اللام.

واذا كان قاتل فرج فودة قد ارتكب جريمته لسبب لا يعرفه كما قال، فما الذي كان سيقوله من حاول ذبح نجيب محفوظ؟ فهو بالتأكيد لم يقرأ او يسمع حتى برواية اولاد حارتنا التي أثارت سجالاً ولا أظن انه حاول ذبح محفوظ لأنه نال جائزة نوبل، فمن ينفذون جرائم الاغتيال هم على الاغلب أميّون ثقافيا وسياسيا وانسانيا، ولا يدركون ماذا جنوا الا بعد ان تقام الدنيا من اجل الضحية.

وهناك حادثة بريئة وقعت في فرنسا عندما دهس سائق تاكسي اكاديميا ومفكرا فرنسيا مرموقا، ورغم ان حادث الدهس لم يكن اغتيالا بل عن طريق الخطأ، الا ان السائق عندما سمع فرنسا وهي تودع ضحيته قال وهو يعض أصابعه ولسانه معاً: لم أكن أعرف بأنني دهست فرنسا!!

في الماضي كان ضحايا المصطلحات نصوصاً أو سياقات فكرية، لكن ضحاياها الآن بشر، وقد ترتكب جرائم باسم الليبرالية مثلما ارتكبت من قبل باسم الماركسية والحصيلة هي تلك العبارة الشهيرة كم من الجرائم ارتكبت باسمك ايتها الحرية.

هكذا لم تعد مصائب الأميّة جهلاً بالحياة وكل انشطتها كالصحة والزراعة والقوانين، فالأمية ايضا قاتلة، ومن يدري لعل أحد المثقفين يقتل ذات يوم لأنه بنيوي أو وجودي أو يحمل صفة لا يفهمها القاتل!

( الدستور الأردنية 2013-11-11 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات