يعلكون الماء

عاد بنا كلام رئيس كتلة "حزب الله" في مجلس النواب النائب محمد رعد الى مرحلة سبقت اسقاط "حكومة الوحدة الوطنية" التي كان يرئسها سعد الحريري. في تلك المرحلة التي مهدت لاسقاط الحكومة والانقلاب على "اتفاق الدوحة"، كان اركان "حزب الله" وادواته في الطوائف الاخرى يتنافسون على توجيه تهديدات في كل اتجاه، في محاولة لترهيب الاستقلاليين وترهيب آخرين للاستيلاء على الحكم. وحصل ما حصل وخاف من خاف، واتوا بنحيب ميقاتي ليشكل غطاء سنيا للانقلاب، وليشكلوا حكومة بمرجعيتين: ايرانية وسورية في آن معا.
اليوم يتكرر المشهد في احد وجوهه: حملة سياسية - اعلامية غير عادية، وتهديد متجدد يحمل في طياته كلاما تكفيريا امنيا. لكن ما اختلف عن مشهد اواخر ٢٠١٠ وصولا الى انقلاب كانون الثاني ٢٠١١، هو ان الاستقلاليين هم خارج السلطة. وكما كانوا دائما لا يحملون اي سلاح، ولن يحملوه في المدى المنظور .
في خط مواز يزعم جهابذة "حزب الله" وملحقو بعد الغاء العقوبات الاميركية ضد بشار الاسد ان محور طهران - دمشق - حارة حريك يحقق انتصارات كبيرة، وان الثورة السورية متجهة صوب هزيمة محققة. ويزعمون يوما بعد يوم انهم يحققون تقدما متواصلا في الميدان في سوريا، مثلما يعتبرون ان خصومهم، ثوار سوريا واستقلاليي لبنان مهزومون وفي الحضيض! الم يقل السيد حسن نصرالله كلاما من هذا القبيل؟ الم يردد محمد رعد كلاما مماثلا عندما قال عن الاستقلاليين انهم مكابرون، وان "حزب الله" يمد يده لينتشلهم من مأزقهم، وهم ليسوا في موقع من يمكنه وضع شروط في موضوع تشكيل الحكومة وما شابه؟
حسنا، لنفترض ان ما يردد اركان الحزب المشار اليه واداوته في الطوائف الاخرى صحيح، وان من يصفونهم بـ"عملاء اميركا واسرائيل و الاستعمار " يعانون مرارة الهزيمة. اذا، ما الذي يدفع "المنتصر " الى بلوغ مراحل متقدمة من التوتر؟ لماذا كل هذا "التشبيح" على "مهزومين"؟ اليس حريا بالمنتصر ان يكون هادئا، رصينا، موزونا، ينظر من عليائه الى المهزوم بعين الشفقة بدل ان يهدده بالانتقال من حال الدفاع اى حال الهجوم؟
بكلام اوضح: اذا كنتم كما تزعمون منتصرين اقليميا ومحليا، فلماذا اذا رفع منسوب التوتر الداخلي والايغال في التهديد بغزوات جديدة؟ اننا نقول لكم بكل هدوء، تريدون حكومة ٩-٩-٦؟ شكلوها. تريدون جر النائب وليد جنبلاط الى صفكم في حكومة ميقاتي - ٢ وهو يقبل؟ مبروك عليكم. تريدون حكومة ثلاثينية بثلاثين وزيرا من "حزب الله"؟ افعلوها. شكلوا ما شئتم من حكومات، وليلتحق بكم من يشاء. انما لن تأخذوا من الاستقلاليين براءة ذمة على قتل السوريين، ولا على تدميركم لبنان بتوازناته، وقيمه. ولن تنتزعوا اعترافا وطنيا جديدا بشرعية "سلاح الغدر" مهما صار. لا حل إلا بعودتكم الى رشدكم، الى لبنان تحت سقف الدولة المدنية. عدا ذلك انتم تعلكون الماء!
( النهار اللبنانية 2013-11-11 )