بعبع الحرب أميركياً وإيرانياً!

في"أدبيات" السياسة الخارجية الاميركية شعار يقول "تحدّث بصوت خفيض ولوّح بعصا غليظة"، وشعار آخر معروف هو "سياسة العصا والجزرة". امس استخدمت اميركا شعاراً معاكساً في تعاملها مع الملف النووي الايراني هو: "ضع العصا جانباً ولوّح بكثير من الجزر"!
كان هذا واضحاً عندما حذّر البيت الابيض الكونغرس من ان عدم التوصل الى اتفاق مع طهران يعني الحرب وان الشعب الاميركي لا يريد الحرب. المثير هنا ان واشنطن التي طالما كانت تهدد ايران بالحرب إن لم يحصل الاتفاق النووي صارت الآن توجّه هذا التحذير الى الكونغرس وضمناً الى الشعب الاميركي!
لا ادري لماذا انطوت التصريحات الواردة امس من البيت الابيض ومن الخارجية الاميركية، على اظهار ملامح احساس بالرعب من الحرب، فاذا كان معروفاً ان اميركا في طور الانسحاب من الحروب التي انخرطت فيها في العقد الاخير، فمن المعروف اكثر ان اوباما لا يريد الحروب ولو لوّح بها، على ما أكدت سياسته المضحكة حيال الازمة السورية، فلا هو يريد الحرب ولا الكونغرس والشعب الاميركي، فهل ان تلويح بعض الاعضاء في الكونغرس بمزيد من العقوبات على طهران يعني ان الحرب ستقع غداً؟ طبعاً لا اوباما في هذا الوارد ولا ايران ترتجف خوفاً من الحرب، وان كانت ترتجف خوفاً من انعكاس العقوبات مزيداً من خنقها اقتصادياً، بما يعني في النهاية ان التلويح بالعقوبات يمكن ان يساعد في تعجيل الاتفاق على الحل!
والطريف ان التخويف من الحرب كان متوازياً امس بين واشنطن وطهران، ففي حين قال البيت الابيض لا نريد الحرب [وكأنه قادر بعد على خوضها] كان محمد جواد ظريف يستعمل بعبع الحرب في مخاطبة الدول الخليجية ولكن بطريقة غير مباشرة، إذ قال: "ان المفاوضات حول الملف النووي الايراني لا علاقة لها بهواجس جيراننا في الخليج الذين عليهم ان يشعروا بالسرور لإزالة مشكلة كان من الممكن ان تشعل المنطقة"!
ولكن ظريف وهو ديبلوماسي عريق يعرف تماماً ان اميركا لن تخوض الحرب ضد ايران لأسباب تتعلق ايضاً بسياستها "الخلفية" في المنطقة [ اذا صح التعبير]، التي تتكشف يوماً بعد يوم عن تنسيق اميركي - ايراني غير مكتوب بالضرورة، لكنه كبير ومتحرك في الأعماق الاستراتيجية، فهو يوائم بين المصالح الاميركية في اقامة توازن رعب اقليمي على أبعاد مذهبية [ اقليّات في مواجهة اكثرية] يشلّ قدرات الاقليم ويبقيه في الاذعان، وبين الطموحات الايرانية التوسعية في المنطقة التي قال ظريف امس بالحرف: "ان ايران هي اكبر واقوى دولة فيها وان جيراننا بمثابة محيط أمننا"... وكأنه يضع الاقليم تحت المظلة الايرانية!
( النهار 16/11/2013 )