الاستيطان والتهويد

أكثر ما ينبغي أن يستحوذ على اهتمام أهل السياسة والإعلام في العالم العربي والإسلامي ما تقوم به اسرائيل داخل الأراضي المحتلة، حيث يجري تطوير الاحتلال إلى تهويد للأرض والمقدسات، وتسريع وتيرة الاستيطان الذي ينتشر كالسرطان المفضي إلى التهام شامل لكل الأرض المحتلة، أمام أعين العرب والمسلمين، وعلى مرأى من العالم كلّه.
انتقال الكيان الصهيوني إلى استراتيجية التهويد والاستيلاء الاستيطاني على الضفة الغربية والجولان؛ جاء عقب معاهدات التسوية مع الدول العربية المجاورة، وعقب التهدئة الإجبارية مع من ينتظر عقد المعاهدة المستقبلية، حيث إن الرغبة الصهيونية الجامحة بالبقاء في هضبة الجولان أطول فترة ممكنة، من أجل موقعها الاستراتيجي الذي يمثل تهديداً للعمق الصهيوني، هو العائق الحقيقي والأكبر أمام إنجاز السلام مع سوريا، وليس كما يتوهم بعضهم بأن سياسة الصمود والتصدي هي العقبة، حيث انه في ظل الهدوء العسكري على كل الجبهات المحروسة عربياً، تتوجه الحملات السياسية المتنافسة داخل الأحزاب (الإسرائيلية) إلى الإنجاز على صعيد الاستيطان والتهويد وتسريع وتيرته.
ثمرة التهويد الفعلية تتجلى في الانتقال نحو اشتراط اعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية (دولة اسرائيل) بصراحة ووضوح، والدخول اليهودي التوراتي المشرعن إلى الحرم القدسي ،من أجل تقسيمه تمهيداً للسيطرة اليهودية التامة مع مرور الزمن، والاستمرار بسياسة نزع أوراق القوة من الخصوم، وإفشال مشروع المقاومة، وتحويله إلى صور أخرى من النضال السلمي المنزوع الدسم، وقد بدأت خطواتهم المدروسة عبر هذا المسار المتدرج تظهر بوضوح وجلاء حيث نحسها ونلمسها!
نجاح الاستراتيجية الصهيونية السابقة يستند إلى جملة عوامل، يمكن تلخيصها عبر ثلاث مسارات:
أ- المسار الأول يستهدف (الفلسطينيين) الذين يمثلون رأس حرية المواجهة، من خلال شرذمة الشعب الفلسطيني، وعدم توحيده عبر لافتة تجمع جهاده المتعدد والمتنوع، وزرع أسافين الفرقة بين مكوناته، ويحول دون الاتفاق بحدوده الدنيا، والأمر الآخر يتمثل بتفريغ طاقة الفلسطينيين عبر مسارب نضالية موجهة إلى أطراف أخرى خارج دائرة التأثير على العدو الصهيوني، بحيث ينشغل فلسطينيو الشتات بالمطالبة بحقوقهم المنقوصة عند دول الجوار، بدلاً من حقوقهم الكاملة المسلوبة من العدو المحتل، والاكتفاء بنشاطات احتفالية ومهرجانات تاريخية لا تضر (اسرائيل) ولا تمنع الاستيطان ولا تحول دون التهويد!
ب- المسار الثاني يستهدف دول الجوار العربي والدول العربية من خلفهم بحيث تم منعهم من استعمال القوة ضد (اسرائيل) عبر معاهدات موثقة لا يستطيعون الانفكاك منها، بعضها معلن وبعضها غير معلن، وأصبحت تقوم بواجب توفير الأمن على حدودها، ونزع الأسلحة الاستراتيجية وأسلحة التدمير الشامل من أيدي جيوشها التي تخضع لرقابة دائمة من حيث التسليح والإعداد، إذ ينبغي أن لا تشكل تهديداً معتبرا في المستقبل، والأمر الآخر إشعال بذور المواجهة الداخلية داخل مكونات الشعوب العربية، والحيلولة دون استقرارها ونموها، وبقائها تحت نير الاستبداد والفساد الى اطول فترة زمنية ممكنة.
جـ- المسار الثالث: تضليل الرأي العام العالمي، من خلال الإعلام، والعمل على انشاء علاقات ومصالح متبادلة بين الكيان المحتل وأغلب دول العالم، من خلال تقديم ما تملكه من تقدم صناعي وتقني وخاصة في مجال الإلكترونيات وفي مجال التحديث والتطوير المتقدم على صعيد الأسلحة العسكرية، بحيث تبدو (اسرائيل) حليفاً مفيداً، مقابل الحليف العربي المتخلف الذي يشكل عبئاً على أصدقائه وحلفائه.
العرب والمسلمون وفي مقدمتهم الفلسطينيون معنيون الآن بوقفة مراجعة وتقويم لكل الجوانب الاستراتيجية في المواجهة مع (العدو الاسرائيلي) العنيد، ويجب وقف هدر الزمن وتبديد الجهد في مسارات لا تشكل الأولوية الصحيحة في البناء الذاتي أولاً، وفي مواجهة العدو الحقيقي بفاعلية ثانياً، ويجب التوقف عن خداع النفس وخداع الجماهير، عبر المعارك الوهمية، والنشاطات البهلوانية، والاحتفالات الشكلية التي استمر العمل بها لمدة نصف قرن من الزمن، ولم تستطع وقف ابتلاع الأرض، ولم تستطع عرقلة الاستيطان وإقامة المستعمرات، ولم تُحل دون التهجير وتفريغ الأرض عبر انسياب طوعي ناعم ومبرر!!
( الدستور الأردنية 2013-12-04 )