أرض محروقة وعالم منهزم !

راح بعض الظرفاء يتندرون على مواقع التواصل الاجتماعي من ان فئات من اللبنانيين المدمنين اطلاق زخات الرصاص لدى "ظهورات" بعض الزعماء بخلوا على ميخائيل كلاشنيكوف في يوم وفاته ولو بزخة من اشهر الرشاشات الذي طبع حروبهم باسمه الاسطوري. فماذا تراهم سيقولون عن احدث ما ابتكرته المخيلة الحربية في "القصف البراميلي" الذي يتبعه النظام السوري في مدنه وقراه؟
لا نعتقد ان لبنانيا عايش مراحل الحرب الا ويذكر حرب المئة يوم في صيف ١٩٧٨ التي كانت حرب أرض محروقة ودائما بالسلاح الروسي. انذاك لعلع في "الادبيات" الحربية السائدة نجم "اورغ ستالين" وراجماته التي كادت تقيم حرب فناء في الاشرفية ثم زج النظام السوري بسلاحه الاستراتيجي الآخر مدفعية هاون ثقيلة من عيار ٢٤٠ ملليمتراً لعل اكثر من ٣٥ عاماً مضت على مآثرها ولم تمح بعد بعض بصماتها. لا نسوق ذلك على سبيل ايقاظ الخلايا العدائية النائمة وانما فقط ذهولاً من تاريخ يستعيد نفسه على يد لاعب حصري ينهزم العالم امامه تكراراً ويمضي في تحقيق مآثره في فنون الارض المحروقة لبنانية كانت ام سورية.
لعل التجربة اللبنانية لم تعد تصح حتى مجرد نسخة تذكير امام أهوال هذا الويل التسلسلي الجاري في سوريا في فظاعات النظام وداعشييه بين وجهين لعملة واحدة يتسابقان على حرب افناء السوريين في ما لم يعرفه التاريخ الحديث من مجازر اقله منذ الحرب العالمية الثانية . حتى ان معركة ستالينغراد اياها لتراها بصورة مكبرة واشد هولاً في مشاهد اعرق المدن التاريخية السورية التي استحالت انقاضاً على وقع الفتك الجماعي بالارواح ولا جفن يرف في عالم متكاسل جرفه انهيار اخلاقي وقبع ينتظر تلك السخافة الملهاة المسماة جنيف ٢ كأنه بيلاطوس سوريا ممثلا هذه المرة بالدول الاقطاب.
من كلاشنيكوف الراحل الى قيصره الباقي الى اميركا "الجديدة" الى سائر منظومة المنخرطين في هذا الانهيار الاخلاقي العالمي العميم من تراهم اكثر من اللبنانيين خبرة في معاينة معنى قصف براميلي متماد ومتواصل منذ اسابيع ولا من يحرك ساكنا كأن العالم لم يستنفد بعد "متعته" في مشاهدة هذه المحرقة غير المسبوقة في النزاعات والثورات والحروب الداخلية؟
مرّت ١٥ مرة على اللبنانيين عيدوا فيها اعيادهم في الملاجئ بين ١٩٧٥ و١٩٩٠ فهل تحتمل سوريا لبننة زمنية على الاقل من هذا الطراز؟ بعد اقل من ثلاث سنوات على انفجار حربها توشك سوريا على الاندثار فكيف لو استعارت من لبنان المسطرة الزمنية؟ وماذا عن لبنان عندذاك ؟ لعلنا نحتاج مع الشعب السوري الى اكثر من صلاة ميلادية وسط هذا السقوط التاريخي للعالم الموصوف زورا بانه متمدن.
( النهار اللبنانية 2013-12-25 )