المسيحيّون والثورة السوريّة

تم نشره الأربعاء 25 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 01:31 صباحاً
المسيحيّون والثورة السوريّة
حازم صاغيّة

يُلاحظ، منذ فترة لم تعد قصيرة، أنّ ثمّة تسويقاً واسعاً لما يتعرّض له المسيحيّون في سوريّة، على أيدي أطراف محسوبة، في صورة أو أخرى، على الثورة السوريّة. ولا يخلو التسويق هذا من التذكير بما حلّ بالمسيحيّين في العراق، أو بتراجع وزنهم وحجمهم في لبنان.

لكنّ الأدوات السياسيّة والإعلاميّة التي تتولّى الخلط والترويج هذين، وترفع وتيرة المشاعر والغرائز الطائفيّة، يفتقر الكثير منها إلى كلّ حساسيّة حيال المسيحيّين أو الأقليّات الأخرى، فضلاً عن أنّ الكثير منها ضالع في الأعمال التي انتهت بالأقلّيات الدينيّة والإثنيّة إلى ما تعانيه راهناً. يكفي استرجاع السخرية، إن لم يكن العداء المسلّح، لفكرة لبنان كوطن للأقليّات وكضمانة لها.

مع هذا، هناك مشكلة أقليّات جدّيّة، ومشكلة جدّيّة تتّصل بالمسيحيّين ووضعهم الراهن في سوريّة والمنطقة. وهذا ما لا ينفيه القول إنّ الأكثريّة السنّيّة تعاني أيضاً، بل إنّها تعاني أكثر ممّا تعانيه الأقلّيّات. ونعرف أنّ تلك الحجّة القديمة التي استُخدمت للتخفيف من حجم المحرقة اليهوديّة، والقائلة إنّ عشرات الملايين من غير اليهود قد قُتلوا أيضاً، صارت حجّة على أصحابها اللاساميّين. ذاك أنّ الذين يُقتلون بسبب دينهم أو إثنيّتهم ليسوا كمن يُقتلون في المعارك أو من جرّاء اضطهاد سياسيّ أو إيديولوجيّ يُنزله بهم نظام غاشم.

يضاعف حجم مسألة الأقلّيّات صعود التكفيريّين الحاليّ والمتفاقم. فإذا صحّ أنّ «النصرة» و «داعش» وأضرابهما تشكّل خطراً محدقاً على مسلمين سنّة لا يُحصى لهم عدد، صحّ أيضاً أنّها، كحركات هويّة، خطر مباشر على الأقليّات لمجرّد انتمائها الدينيّ والمذهبيّ.

لكنّ ما يُسبغ بعض التعقيد على هذه المسألة أنّ النظام الطائفيّ في سوريّة، والذي يستهدف مناطق ذات لون سنّيّ، إنّما يجيز القول بأنّ السنّة باتوا، هم أيضاً، يُستهدفون لأنّهم سنّة.

ووضع كهذا، ومن دون أن يخفّف من حجم المعاناة التي تنزل بالأقليّات، يحضّ هذه الأخيرة، من خلال ممثّليها السياسيّين والدينيّين، على اعتماد سياسات أكثر مسؤوليّة حيال حريّة مواطنيهم وحيال الألم الذي يتكبّدونه سعياً منهم إلى هذه الحرّيّة. فكلّ موقف نقديّ حيال النظام السوريّ هو اليوم تصليب للموقف السياسيّ والأخلاقيّ المناهض لـ «النصرة» و «داعش» وأضرابهما. ولا يستطيع، بالتالي، من يتّخذ موقفاً داعماً لنظام يكاد يقتل على الهويّة أن يواجه تنظيمات دأبها القتل على الهويّة.

ولئن استحقّ التحيّةَ سمير جعجع، قائد «القوّات اللبنانيّة»، على موقفه الأخير من مسألة المسيحيّين، وعلى ربطها بعموم ما يحيق بالسوريّين من مآسٍ، فإنّ ما يقلق، في المقابل، ميل البعض الأكثر والأكبر إلى مواقف معاكسة تماماً: مواقف تربط مشكلة المسيحيّين السوريّين بالطريقة التي يقدّم فيها ميشال عون مشكلة مسيحيّي لبنان، ومن ثمّ الإمعان في زجّهم في مواجهة السنّة وقوداً لـ «تحالف الأقليّات»، وتجييرهم، من ثمّ، للنظام السوريّ ولـ «حزب الله». فهل تكمن هنا، في هذا الاستخدام القاتل، مصالح المسيحيّين السوريّين منهم واللبنانيّين؟

( الحياة اللندنية 2013-12-25 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات