خلق المستحيل
يعيش وطننا اليوم أزمة مريرة، يقول البعض إن جذورها تعود إلى قرون... أزمة هوية ، أزمة حضارية ، أزمة ثقافية ، أزمة أخلاقية وإقتصادية، أزمة إنسانية، أزمة على كل الصعد، لم ترحم أحدا، وبالخصوص الفقراء و البؤساء من أبناء شعبنا.
خسرنا حروبا عدة، لم نختر أي منها، إنما فرضت علينا، تارة من الداخل وتارة أخرى من الخارج.
ورثنا وطنا قيل لنا إنه وطننا، ولم نستطع منذ الوهلة الأولى أن نعيش مع بعض بسلام. فتقاتلنا وسحلنا بعضا البعض، تارة بصحبة الأكراد وتارة بصحبة التركمان، ثم جاء العسكر وثم جاء البعثيون و الشيوعيون فتقاتلوا من جديد.
ثم جاء صدام. ثم جاءت حروب أخرى فرضت علينا وخسرناها.
واليوم جاء عصر العبوات واللاصقات. وها نحن نخسر حربا أخرى تفرض علينا.
أين المفر؟
في زمن بعيد قريب، كان الشجعان من أبناء الدول المظلومة، الذين رفضوا الاستسلام للظلم، كانوا يهربون من بلدانهم المهزومة إلى بريطانيا، ليواصلوا النضال من هناك ضد النازية و يحرروا بلدانهم من الاستعباد.
ولكن تلك الحرب كانت عالمية، والأطراف المشاركين فيها كانوا واضحين: العالم الحر ضد القوى الفاشية و الدكتاتورية.
أما اليوم... فالحروب أصبحت داخلية و العدو غير واضح. أهو داخلي؟ أهو خارجي؟ أهو قومي، سياسي، ديني أو اخلاقي؟
خلق المستحيل، هذا هو التحدي الذي يجب على الأحرار من شعبنا أن يخوضونه. فالازمة التي نعيشها اليوم لا مثيل لها في التاريخ، و لن نجد لها حلا لا في تجارب الشرق و لا في تجارب الغرب، إنما فقط في قدرتنا نحن على خلق المستحيل، أي قدرتنا على تصور نموذج جديد للحياة الكريمة على أرض وطننا الجريح.