إنهم يقتلون الشاهد!

لطالما كان لبنان ساحة حروب بالوكالة، أو بالنيابة، يخوضها بنفسه وبأفرقاء من شعوبه استجابة للآخرين او لآخرين. أو غبّ طلب هذه الدولة العربية، أو تلك الأعجميّة، أو هاتيك التي تختبئ في ظلّها أخطر المفاجعات.
ودائماً وأبداً اللبنانيّون أنفسهم هم الوقود. هم واقتصادهم ووحدتهم، وما حبا الله هذا البلد من طبيعة، ومناخ، وموقع جغرافي، وفصول أربعة، وتنوّع نادر في الانتماءات والتعدديّة.
ولا نخترع البارود بمثل هذا الكلام الذي يُقصد من ورائه تذكير لبنانيي هذه المرحلة الحرجة، بأنهم ليسوا سوى مجرّد وقود لحروب الآخرين... وحيث يندفع المتحزّبون إلى الانقسام والمواجهات، وتلبية "واجب" تدمير لبنان بكل معنى الكلمة، وتهجير أجياله، وإدخاله مرّة جديدة كرنتينا جورج شولتز.
"اقتلوا الشاهد"، صرخ الجنرال خوانيتو في رجاله، وهو يتفحّص جثة زاباتا الثائر الغواتيمالي الذي استدرجه الجنرال إلى القلعة للتفاهم وتصفية القلوب.
فقتله قبل ترجّله عن حصانه، وفرّ الحصان في اتجاه أنصار زابّاتا. فخاف الجنرال وأمرهم بقتل الحصان قبل أن يبلغ رفاق الثائر ويبلّغهم ما حصل وصار.
لبنان هو الشاهد في هذه المنطقة. ومطلوب في أكثر من شهادة. وضد أكثر من إسرائيل. فنظامه الديموقراطي البرلماني يخربط حسابات إسرائيل وطموحاتها التهويدية. ويشهد بتعدّد طوائفه الثماني عشرة وتعايش أبنائه بثبات ونبات وإنجابهم صبياناً وبنات...
من قديم الزمان إلى يومنا هذا والصهيونية العالمية تحاول تمزيق "خرافة" العيش المشترك. فتختلق الأحزاب الطوائفية، وتحرّضها بعضها على البعض. وهذا ما يحصل منذ 1860.
مرّ العثمانيون. وتعاقب على البلد "النموذج" ظلّ الدول السبع. ثم الانتداب الفرنسي. فالإنكليز. فالأميركيون. فالناصرية على هَودج القومية العربيّة. إلى ما نشهده اليوم. إلى آخره.
تسعة أشهر بلا حكومة. المكلَّفون المُوكل إليهم إبقاء البلد تحت رحمة الفراغ لا يسمحون للرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلّف تمّام سلام بتأليف حكومة إنقاذ وطني. أو حكومة عبور وطني. أو حكومة اجتياز المأزق. النون نون واحدة لا نونان.
ولكن على الكتف حمّال، وبعد شهرين ثلاثة يطلّ الاستحقاق الرئاسي، فما العمل؟ أيكتمل الفراغ المطلوب ليكتمل النقل بالزعرور؟ لذا هبّوا هبّة العواصف التسوناميّة، حين تبرّع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني بكل ما يحتاج إليه من أسلحة حديثة وثقيلة وفعّالة، تساعده في القيام بواجباته كحامي الحمى على أكمل وجه.
حملة عشوائيّة جارفة عبر الفضائيات والأرضيّات. وإسرائيل تضحك في عبّها. والناس يصرخون: إنهم يقتلون الشاهد.
( 6/1/2014 )