اربعون عاما من فرح المعاناة
لا ادري لماذا شعرت بفرح خاص عندما تسلمت من المطابع التجارية للمؤسسة الصحفية الاردنية نسخ كتابي الجديد لا املأ قلمي بحبر الاخرين وابدأ بتوجيه اصدق الشكر واعمقه للزميل نادر الحوراني مدير عام المؤسسة الذي ذلل امام كتابي هذا عقبات كثيرة، حتى تم اصداره في اكثر من اربعمائة وستين صفحة من القطع الكبير، وهو حجم لم اتوقعه عندما بدأت عملية تجميع مقالاتي المنشورة في صحف اردنية وعربية، حيث اخذت جريدة الرأي اكثر من 60% من عدد هذه المقالات، وعندما صدر الكتاب تسلمت من مكتبة الجامعة الاردنية صورا عن مقالاتي في الرأي منذ عام 1978 وحتى عام 2004، اعدها مشكورا الاخ عبدالله دمدوم النشط والذي يعرفه كل الباحثين والمؤلفين ويدينون له بالعون والمساعدة في كل ما يطلبون من مكتبة الجامعة.
تصفح مقالاتك القديمة تماثل عثورك على البوم صور لطفولتك وشبابك، وحتى ان الذاكرة تقفز بك الى ظروف كتابة كل مقالة، وما اذا واجهت تسهيلات او تعقيدات قبل وصولها الى القارئ، وفي احيان كثيرة بعد هذا الوصول، وقد شعرت ان استاذنا ومعلمنا محمود الكايد كان الى جانبي وانا اقرأ هذه المقالات القديمة، وعندما اجد مسافة زمنية بين مقالة ومقالة ادرك ان قلم (ابو العزم) مر على مقالات كثيرة ووشحها بعلامتي الاستفهام والتعجب وهو يبتسم ووضعها داخل درج مكتبه العلوي ومع انني اهديت كتابي الجديد لهذا المعلم الغالي فانني اشعر ان هذا اقل ما يجب ان اقدمه اليه، ولا اذكر مرة واحدة رفض لي نشر مقالة، الا وشعرت بعد اسابيع انه كان محقا في عدم اجازتها للنشر، لا من منطلق الحرص على الكاتب وحده بل والحرص على الجريدة الاولى التي حملت كل قضايا الاردنيين والعرب وقاتلت في خنادقهم بأكثر مما نستطيع واحيانا بخروج شجاع على التعليمات المكتوبة والمقننة او الهواتف الغاضبة او المعاقبة.
ليس صحيحا ان سقف التعبير في بلدنا اقل علوا من احلامنا وتطلعاتنا وحتى جنوننا، وعندما كان يتناوب سبعة كتاب على زاوية 7 ايام كانت الرأي تمثل بوصلة لمن لا يحتاج الى مسندين حتى يقف على قدميه، وحرصي على اصدار كتابي الجديد، وبدء العمل على اصدار المجلد الثاني من مقالاتي يأتي لاسباب كثيرة، لعل ابرزها ان القراء يتكاثرون يوميا، وان اطفالا اصبحوا شبابا لم تتح لهم فرصة قراءة مقالات الكثير من الكتاب الاردنيين منذ السبعينيات، ولهذا يشكل اصدار هذه المقالات شكلا من اشكال التأريخ للمراحل السياسية والاعلامية التي مرت على بلدنا خلال الاربعين سنة الاخيرة.