دلالات التطبيع بين وزيرة السياحة التونسية وإسرائيل

تم نشره السبت 01st شباط / فبراير 2014 12:33 صباحاً
دلالات التطبيع بين وزيرة السياحة التونسية وإسرائيل
توفيق المديني

ما إن منح المجلس الوطني التأسيسي ثقته للحكومة الجديدة، بقيادة السيد مهدي جمعة فجر الثلاثاء الماضي، حيث يعتبر التصويت على منح الثقة لحكومة جمعة نهاية فعلية لحكومة «النهضة» الإسلامية، وبداية المسار الأخير من عملية الانتقال الديمقراطي، إذ من المفترض أن تقود الحكومة الجديدة تونس حتى إجراء انتخابات عامة مقررة قبل نهاية العام الحالي، حتى تفجرت فضيحة سياسية جديدة، تتمثل في أن وزيرة السياحة التي تم تعيينها حديثا، وهي السيدة آمال كربول اتهمت من قبل عدد من نواب المجلس التأسيسي، وأحزاب المعارضة اليسارية والقومية بـ«التطبيع مع إسرائيل» باعتبارها زارت إسرائيل في العام 2006، ودعوا رئيس الحكومة إلى «التخلّص منها»، الأمر الذي أدّى إلى إحراجه.

في تبريرها لموضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني، قالت آمال كربول إنها عندما سافرت إلى إسرائيل في نطاق برنامج ممول من الأمم المتحدة لتدريب شبان فلسطينيين «لم تنظر إلى الموضوع من وجهة نظر سياسية»، موضحة أنها تعرضت إلى «مضايقات» عند حلولها في مطار تل أبيب إذ «تركوها أربع ساعات في الانتظار ولم يسمحوا لها بالعبور باعتبار أنها تونسية مسلمة».. واعتبر العديد من التونسيين المعارضين للتطبيع أن وزيرة السياحة قدمت في تبريرها مسرحية لتمرير تعيينها.

وقالت آمال كربول مباشرة بعد أن أدّت اليمين أمام الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي اليوم، إنها قدّمت لرئيس الحكومة استقالتها وله «سديد النظر في قبولها أو رفضها»، ودعت رئيس الحكومة التونسية الجديد مهدي جمعة، في تغريدة نشرتها في صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلى «قبول استقالتها إذا ثبت أن الاتهامات التي وُجّهت إليها بالتعامل مع الكيان الصهيوني صحيحة». وبعد اجتماعه بكربول، دافع رئيس الحكومة جمعة عنها بالقول «تحدثت مع وزيرة السياحة، وقد زارت بالفعل إسرائيل سنة 2006 في إطار مشاركتها في برنامج تكوين تابع للأمم المتحدة لفائدة شباب فلسطينيين، وقد بقيت يوماً واحداً في إسرائيل وتعرّضت لتحقيقات دامت 6 ساعات بمطار تل أبيب لأنها عربية مسلمة، كما أنها رفضت مواصلة برنامج التكوين لهذا السبب، حتى وإن كان لفائدة فلسطينيين»، ورغم هذا الدفاع، فإن العديد من نواب المجلس التأسيسي أعربوا عن رفضهم لهذه الوزيرة، حتى أن أحدهم لم يتردد في مخاطبة الوزيرة الجديدة بالقول«.. إذا ثبت أنك زرت إسرائيل، فما عليك سوى أن تحملي أغراضك ومغادرة هذه الحكومة».

لقد تضمّنت المسوّدة الأولى للدستور التونسي الفصل 27 الذي يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني في حين سقط هذا الفصل في مسوّدة يونيو2013 التي قدّمها السيد الحبيب خضر المقرّر العام (من حركة النهضة) للدستور، و بالرغم ممّا أثاره ذلك المشروع في إبانه من اعتراض على العديد من الفصول التي احتواها من مختلف الأطراف السياسية والمدنية فإنه بدا وكأن الجميع قبل إسقاط فصل تجريم التطبيع متزامنا مع الجلسات مع الرؤساء والسفراء الأجانب، ولم تقع إحالته إلى لجنة التوافقات على غرار العديد من الفصول الأخرى، ولابدّ هنا من الإشارة إلى الدور المشبوه والمكمّل لدور السفراء الذي لعبه فيلتمان (طابخ الدساتير الملغومة).

أسقطت حكومة النهضة بفعل الضغط الشعبي وجيء من رحمها بالسيد مهدي جمعة بترشيح من بعض الأطراف الأوروبية ومن شركات النفط العالمية، وسط أجواء مشحونة وتسرّب حينها أنّ تشكيلة الحكومة الجديدة ستضم يهودياً تونسياً وزيراً للسياحة وكان القصد من تلك التسريبات جرّ بعض الأطراف السياسية والمدنية إلى الاحتجاج على ذلك التعيين واتهامها بمعاداة(السامية)، غير أن ذلك المخطط لم ينجح وتعاملت الأغلبية الساحقة من فعاليات المجتمع التونسي بمسؤولية عالية ولم تنجرّ إلى مستنقع معركة طائفية بسبب وجود تونسي يهودي في الحكومة الموعودة.. وحين فشلت الخطة جيء لنا بتونسية (مسلمة) تحمل شبهة التعامل مع الكيان الصهيوني، وفي نفس الخطة التي كان سيشغلها اليهودي التونسي بعلم مسبق من رئيس الحكومة المعيّن بل وبإصرار منه..

وبصرف النظر عن التبريرات التي سيقت من قبل وزيرة السياحة، وكذلك من قبل رئيس الحكومة التونسية الجديدة، فإن الوزيرة التونسية، وغيرها من السياسيين التونسيين الموجودين في العديد من الأحزاب السياسية سواء منها الإسلامية أو العلمانية، أو المنظمات غير الحكومة الممولة من قبل مؤسسات دولية معروفة، يشكلون جميعاً جزءاً من هذا التيار التبشيري العربي الذي ينادي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني على اختلاف دوافعه وغايته، بوصفه تياراً نصيراً قوياً للتطبيع مع العدو الصهيوني.

فهذا التيار التبشيري يطالب باندماج الكيان الصهيوني في النظام الشرق أوسطي الجديد الذي نادي به شمعون بيريز منذ العام 1993، لأنه يرى في هذا الاندماج، العودة إلى الوضع الطبيعي حسب منطلقه، ولذلك يقول مبشرو هذا التيار إنه يجب التخلي عن كل الممارسات والأفكار المشوهة التي لم تكن تعبر تعبيراً صادقاً عن حقائق ورغبات الأغلبية العظمى من شعوب المنطقة العربية، هذه الأغلبية العظمى لم تنتمِ يوماً لما كنا نسميه عروبة أو عربا، وكانت ضحية لكلمات فضفاضة من لغة عقيمة ومتخلفة، وفي مثل هذا التوجه الشرق أوسطي لا تختلف إيران عن إسرائيل، ولا تختلف إسرائيل عن أي دولة عربية، ولا تختلف أي دولة ناطقة بالعربية عن تركيا أو باكستان أو الهند الكل يجمعهم توجه واحد وإقليم واحد ومصلحة مشتركة.

وتنبع الفكرة الإيديولوجية الأعمق لهذا التيار التبشيري من محاولة طمس الهوية

العربية - الإسلامية للمنطقة العربية، معتبراً إياها أنها مساحة جغرافية تعاني من محنة الهوية، وبلا هوية حضارية، ولذلك يندفع بقوة انطلاقاً من استغلاله أزمة الهوية أو عقدة الهوية في الوطن العربي التي يعانيها العرب الآن لتسويغ وجود الكيان الصهيوني على أرض العرب، وقبول التطبيع معه، باعتباره دولة موجودة في الإقليم الشرق أوسطي نفسه، على هذا القدر الرفيع من التقدم الصناعي والاجتماعي والسياسي، يتطلب والحال هذه من العرب، أن يكونوا مستعدين للدخول في مرحلة من التحدي الحضاري معها، وهي مرحلة قد تكون أصعب من مرحلة التحدي العسكري للكيان الصهيوني التي انتهت، أو قاربت على الانتهاء، وبالتالي القبول للهوية الجديدة « الشرق أوسطية» التي تتموقع فوق هويات شعوب المنطقة – باعتبارها حاملة لواء الحضارة والتقدم والأمل في تغيير المجتمعات، وحل مشكلات النمو الاقتصادي والحريات الفردية والجماعية، والليبرالية السياسية، وبشائر الديمقراطية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي المتناسق، والتبعية الثقافية.

فالمدقق في هذا المفهوم « الشرق أوسطي » الذي يروج له هذا التيار التبشيري، من الذين لهم مصالح تجارية واقتصادية، ونفع ذاتي، ومصالح ضيقة، وقصر نظر سياسي، ومن المتذمرين من فساد أحوال مجتمعاتهم، ومن المنظرين "للتغريب الثقافي" ولمفهوم "الكونية" يرى فيه سياسة تستهدف تحقيق السلام بين الكيان الصهيوني والدول العربية، بما يعني إنهاء حالة الحرب والعداء، والاعتراف بشرعية الاحتلال الاستيطاني لفلسطين، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية طبيعية معه، وإنهاء حالة المقاطعة الاقتصادية العربية له.

فالسلام والتطبيع شيئان متلازمان ويعنيان الانتقال من حالة الحرب والعداء والمقاطعة للكيان الصهيوني إلى عكس هذه الحالات جميعها، لكي يكتشف العرب في ظل التبشير بمفهوم «الشرق أوسطية»، أنهم كانوا على خطأ طيلة المرحلة التاريخية السابقة، وكانوا يعيشون في ضلال، وليكتشفوا أيضاً أن الكيان الصهيوني هو البوابة الحقيقية والمنفذ الوحيد المناسب للتصدير إلى أوروبا، تتنافس دول المنطقة على كسب وده.. حيث أصبحت إسرائيل القناة الوحيدة لتصدير التكنولوجيا إلى الدول العربية، وتلقين علمائها ومهندسيها وفلاحيها.

( الشرق 1/2/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات