الإعلام الأمني

تم نشره السبت 01st شباط / فبراير 2014 12:35 صباحاً
الإعلام الأمني
محمد قيراط

تعتبر القضايا الأمنية من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين لاعتبارات عدة من أهمها ظاهرة العولمة والإعلام الجديد والمجتمع الرقمي والتطورات والتحولات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم.. ناهيك عما أفرزته ثورات الربيع العربي من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة؛ فالعولمة بمختلف مظاهرها وتجلياتها مست السياسة والإعلام والثقافة والاقتصاد والاجتماع والدين والهوية والعادات والتقاليد مما أدى إلى دمج وصهر دول العالم في بوتقة واحدة تشكل سوقا واحدة وأنماطا استهلاكية متشابهة وقيما معولمة وثقافة واحدة وهوية موحدة ما يعني انهيار وأفول الثقافات المحلية والهويات الوطنية واللغات وغيرها من مقومات الشعوب والأمم على مختلف أعراقها وثقافاتها ودياناتها وقيمها وعاداتها...الخ. فالبث الفضائي المباشر والإنترنت جعل من العالم قرية واحدة تعكس سيطرة وهيمنة من يصنع التكنولوجيا ومن يتحكم في محتوياتها. فالشبكات الاجتماعية على سبيل المثال غيرت خريطة العلاقات الإنسانية داخل العائلة الواحدة فما بالك بالقرية والعشيرة والمجتمع المحلي والمدينة والبلد ككل. كل هذا يؤدي أو يفرز بيئة جديدة للقضايا الأمنية تتعقد فيها الأمور وتختلط وتصعب مما يعقد الأمور ويزيد من التحديات أمام الجهات المعنية بالقضايا الأمنية خاصة والمجتمع ومكوناته المختلفة بصفة عامة.

على غرار الأنواع العديدة من الإعلام المتخصص، يكتسي الإعلام الأمني أهمية كبيرة جدا نظرا لاعتبارين أساسيين؛ يتمثل الاعتبار الأول في الدور الاستراتيجي الذي يلعبه الإعلام في المجتمع سواء فيما يتعلق بتشكيل وتكوين الرأي العام أو فيما يخص تحديد ما يتعرض له الجمهور وما يتأثر به من قبل وسائل الإعلام المختلفة أو فيما يخص الوقت الكبير الذي يخصصه الفرد لاستهلاك وسائل الإعلام المختلفة من تليفزيون وإنترنت وإذاعة وجرائد ومجلات...الخ حيث تؤكد الدراسات أن عدد ساعات التعرض تتراوح ما بين أربع ساعات إلى ما يزيد على اثني عشرة ساعة.

من جهة أخرى نلاحظ أن الأمن بمختلف أنواعه وأشكاله يلعب دورا محوريا في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة. كما أننا لا نستطيع أن نتكلم عن ثقافة أمنية ووعي أمني بدون وسائل الإعلام.فالجهات الأمنية والمسؤولة عن القضايا الأمنية في المجتمع لا تستطيع أن تنشر الوعي الأمني والثقافة الأمنية بدون الاستخدام المكثف والمنهجي والعلمي للإعلام. من هنا فرض الإعلام الأمني نفسه كمجال وكتخصص نظرا للرهانات التي يتضمنها والتحديات التي يواجهها الأمن في حياة الشعوب والأمم. والمقصود هنا بالاستخدام العلمي والمنهجي للإعلام هو التخطيط الإستراتيجي من خلال البحث والدراسة العلمية المستفيضة لمكونات القضية والعملية الاتصالية بمختلف مكوناتها.

الإعلام الأمني يتعين أن يكون وظيفيا بمعنى أن الرسائل الإعلامية والحملات الإعلامية المنظمة ينبغي أن توظف لتحقيق غايات محددة وأن الإعلام الأمني باتساع مجالاته ومحاوره يجب أن يخطط له عن طريق وضع السياسات ورسم الاستراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى وتحديد سبل تحقيق الأهداف من خلال تحديد الوسيلة الإعلامية الملائمة وتصميم الرسائل الهادفة واستهداف المتلقين لتلك الرسائل ومعرفة شرائحهم العمرية والجنسية ومستوياتهم التعليمية ومعرفة مدى استخدامهم لوسائط الاتصال المختلفة وبخاصة الوسيلة التي تحوز على استحسانهم.

فالإعلام الأمني إذن هو مجموع الأنشطة الإعلامية المختلفة – الأنواع الصحفية المختلفة من خبر، تعليق، تحقيق، مقابلة، تحليل، افتتاحية، ريبورتاج، فيلم وثائقي، فيلم قصير، متوسط، طويل...الخ - في وسائل إعلام متنوعة ومختلفة كذلك – الإعلام التقليدي والإعلام الجديد – المدونات - شبكات الاتصال الاجتماعي: فيسبوك، تويتر...الخ، التي تعنى بنشر الثقافة والتوعية الأمنية بهدف المحافظة على أمن الفرد والجماعة وأمن الوطن في مختلف المجالات والأصعدة. ويعتمد نجاح الإعلام الأمني وانتشاره في المجتمع على اهتمام الجهات المختصة بالقضايا الأمنية في المجتمع بتوظيف وسائل الإعلام المختلفة لنشر الثقافة الأمنية والتوعية الأمنية في المجتمع. فالموضوع يعتمد أساسا على درجة التعاون بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني، وهنا يجب التأكيد على ضرورة إدراك الجهات الرسمية لأهمية الوعي بالقضايا الأمنية وضرورة توظيف الإعلام والعلاقات العامة في هذا المجال.

المؤسسات الإعلامية من جهتها مطالبة بالقيام بمسؤوليتها على أحسن وجه لجعل التوعية بالقضايا الأمنية أحد أولوياتها الإستراتيجية. وهنا يجب التركيز على أن المبادرة الرئيسية في إنجاح الإعلام الأمني يجب أن تأتي من الجهات الأمنية بالدرجة الأولى حيث يجب عليها توفير المعلومات والبيانات والقضايا الأمنية الهامة وذات الأولوية لوسائل الإعلام حتى توليها الأهمية اللازمة وتطرحها على الجمهور.. إضافة إلى ما تقدم يجب على المجتمع المدني بمختلف مكوناته أن ينخرط في عملية التوعية بالقضايا الأمنية بمسؤولية والتزام.

ومن أجل تحقيق إعلام أمني ناجح وفعال يجب أن تكون هناك علاقة تكامل وتفاهم وتلاحم بين الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، فالموضوع هنا لا يتعلق بالإثارة والسبق الصحفي والبحث عن الغرابة والتضخيم وإنما الهدف هو التوعية والتثقيف من أجل أمن الفرد في المجتمع وأسرته والمجتمع والبلد ككل، ومن هنا يتوجب أن تكون هناك ثقة بين الجهتين واحترام متبادل ونية لخدمة الوطن والمواطن.

من جهة أخرى يجب على الجهات الأمنية أن تتوفر على مهنية وحرفية عالية للتعامل مع المعلومة بمصداقية كبيرة وبثبات حيث إنه من المستحيل كسب ثقة الجمهور بإبراز معلومات وإخفاء معلومات أخرى أو بتقديم نصف الحقيقة أو في بعض الأحيان بالتضليل والتلاعب. فهذه الممارسات تقضي على الثقة التي يجب أن تتوفر بين مصدر المعلومة والجمهور للتأثير فيه وإقناعه وتوعيته بما يعود عليه وعلى المجتمع بالفائدة. من عوامل نجاح الإعلام الأمني والتعاون بين الجهات الأمنية والمؤسسات الإعلامية الاتصال المباشر والفوري خاصة في أوقات الأزمات والظروف الطارئة فالبيروقراطية والتأخر في توفير المعلومة يؤدي إلى انتشار الشائعة وإلى دخول جهات على الخط قد يكون هدفها الترويع والتخويف والتشكيك ونشر الفوضى والنميمة في قدرات الجهات المختصة للتعامل مع الحدث أو الأحداث. فأهم وسيلة لاحتواء الأزمات والتحكم فيها هو الاتصال المباشر والصريح والفوري.

من جهة أخرى يجب على الجهات الأمنية أن تتعامل مع الإعلام الأمني بحرفية ومهنية عالية فيما يخص تقديم المعلومة الواضحة والدقيقة والمحددة والتي تكون بعيدة عن الغموض والإبهام والعمومية التي قد تفسح المجال لتأويلات متضاربة ومتناقضة. من أجل تعاون فعال يجب على الأجهزة الأمنية أن تتوفر على موظفين ومسؤولين متخصصين في الإعلام والاتصال والعلاقات العامة من أجل التعاون الفعال مع المؤسسات الإعلامية وهذا يعني إعطاء أهمية كبيرة للتعامل مع وسائل الإعلام بمهنية وحرفية دون تفضيل أو محاباة وسيلة على أخرى ودون الهروب من مواجهة بعض القضايا والأحداث الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل رجال الإعلام والجمهور في الأجهزة الأمنية. فالاتصال الناجح هو ذلك الذي يرد على استفسارات وأسئلة الصحافيين والجمهور والرأي العام بصفة عامة دون تردد أو تهرب أو مراوغة أو تعتيم وبكل شفافية وصراحة ووضوح.

( الشرق 1/2/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات