تعاطي دولي مهين مع تقرير جولدستون
![تعاطي دولي مهين مع تقرير جولدستون تعاطي دولي مهين مع تقرير جولدستون](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/27567.jpg)
حرب غزة الدامية والشهداء الذين سقطوا خلال الهجمة البربرية الاسرائيلية لايام وليالي والدمار الكامل للمنشآت والمباني العامة والخاصة الذي طال كل شبر من غزة ، لم يكن ليقنع العالم الذي يضع نظارة سوداء بأن هناك حرب ابادة وقعت هناك ، وكأن ما تناقلته عدسات التلفزة العربية والعالمية لايعد كافيا للمجتمع الدولي لتقرير ما اذا كانت اسرائيل قد تجازوت كل الحدود والاعراف والمحرمات في اجتياح غزة .
بالواقع انني تفاجأت كثيرا بأن هناك من كلف شخصية يهودية للوقوف على وقائع الحرب بغزة وتدوين الوقائع المؤلمة التي لحقت بأهل غزة بالمعاينة والاطلاع على ارض الواقع لما اضحت عليه غزة من تدمير شامل اصاب البنى التحتية التي تمكن أي مجتمع من الاستمرار في الحياة .
عدة عوامل ساهمت في تقزيم المعاناة والتضحيات والخسائر البشرية الكبيرة التي خلفها الهجوم الوحشي وسياسة التقتيل والحصار والتجويع الذي مارسته اسرائيل قبل واثناء وبعد الاجتياح ، في مقدمتها الاختلال الجوهري في بنية الموقف الفلسطيني والانقسام الداخلي بين السلطة وحركة حماس ، ما منح اسرائيل فرصة سانحة لاستغلال هذا الشرخ في تعميق جراح الشعب الفلسطيني والمضي الى اقصى ما يمكن من صور البطش والفتك بأهل غزة المحاصرين بجريرة حركة حماس التي تشكل رأس حربة في مقاومة الاحتلال ومخططات التسوية للقضية الفلسطينية ، للوصول لظروف مناسبة لقضم مزيد من الاراضي في الضفة الغربية بحجة بناء جدار العزل العنصري تحت غطاء القصف والتقتيل ومناورة المفاوضات مع السلطة التي لاتفضي الا لفراغ .
ويأتي الموقف العربي الضعيف كجزء مكمل للمشهد الذي برز فيه الانقسام الداخلي الفلسطيني، في توفير ظروف مواتية للجيش الاسرائيلي للوصول لاهدافه في تدمير البنية التحتية لغزة وتأخير اعادة بناء ما دمر .
في المحصلة فإن لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة ، ولا ادري ان كان تحت ضغت المبادئ الشكلية التي تتبناها في التعاطي مع القضايا التي تكون اسرائيل طرفا بها ومسببة لها ، وهربا من الحرج الذي وضعتها امامها مؤسسات دولية مستقلة تعنى بحقوق الانسان ، دفعت لجنة حقوق الانسان لارسال موفد من قبلها لغزة للاطلاع على الجرائم الاسرائيلية وكتابة تقرير بالوقائع وما شاهده بعينيه من صور الدمار والقتل والتشريد الذي منيت به غزة على يد اسرائيل .
بالمحصلة ذهب الرجل وعاد بتقرير مفصل ومتكامل وموثق عن الجرائم الاسرائيلية معززة بكل الشهادات الحية والوثائق الدامغة عن تلك الحرب ، التي مارست فيها اسرائيل صنوف التنكيل وتجاوز كل حقوق الانسان وتعاملت بمنطقها غير الاخلاقي والهمجي مع اهل غزة .
ولا يعنيني كثيرا موضوع طلب السلطة من عدمه تأجيل عرض التقرير على لجنة حقوق الانسان بداعي توفير جو مناسب لاتخاذ قرار يلبي طموحات الفلسطينين ، فقد تم مناقشة التقرير وبالرغم من وضوح النتائج ان كان من خلال الوثائق التي توضح وتبرز حجم الدمار والقتل الذي لحق بغزة وعدم التكافؤ في قوة الطرفين العسكرية أي المقاومة الفلسطينية والجيش الهمجي الاسرائيلي ، الا ان اللجنة ناقشت التقرير واصرت على اقناعنا بأن الطرفين يتساويان في المسؤولية عما لحق بغزة .
الغريب بالموضوع التوصيات التي خرجت بها اللجنة بطلبها من اسرائيل اجراء تحقيق داخلي حول الجرائم التي اتى عليها تقرير جولدستون ووضع اللجنة بصورة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الاسرائيلية بهذا الخصوص .
بالنتيجة فإن ما تم ما هو الا تفريغ للمحتوى السياسي والمسؤولية القانونية التي من المفروض ان تتحملها اسرائيل وتقع على عاتقها جراء ما اقدمت عليه من خراب ودمار واضح الملامح ، وجرى تمييع التقرير بأن اسندت اللجنة لاسرائيل محاكمة نفسها وجيشها .
في ظاهر الامر فإن لجنة حقوق الانسان قد قامت بدورها امام المجتمع الدولي وتم تصويرها بأنها تعاطت بشفافية ومهنية مع التقرير ، ليتم بعدها اجراء عمليات التبريد والتخدير للتقرير ليصل لمجلس الامن وقد تم تذويب المسؤوليات التي من المفروض انها تقع على الجيش الاسرائيلي بشكل مباشر وليكون التقرير المليء بالانتهاكات الاسرائيلية مجرد قصة تسرد ومن بعدها يتحول المجتمعون عنه ويطوى هذا الملف الى الابد .
التعاطي الدولي المهين مع قضايانا وحقوقنا شكل حالة فريدة من نوعها اذ في وقت يظهر المجتمع الدولي ومجلس الامن العين الحمراء لدول مثل ايران وكوريا الشمالية ، تجد انه يتوجه لاسرائيل بنظرة خجولة وربت على الكتف للكف عن ازهاق ارواح المدنيين في فلسطين وكأن ما تقوم به اسرائيل من تقتيل وتشريد فعلي لايتساوى مع ما تروج له الدوائر الغربية والصهيونية حول الخطر الذي تشكله ايران وكوريا على السلم العالمي بفرض صدق ذلك الخطر.
Mahmoud69dabass@yahoo.com