الدولة ثانيةً... ولهذه الأسباب

إلى أن تُعلن لجنة البيان الوزاري النبأ السعيد، لا بأس بجولة حول البلد المسيَّج بالنار والبواريد، فلعلَّ وعسى...
القريب يعلم والبعيد بات يعلم أن الدولة اللبنانيَّة صارت اسماً على غير مسمَّى، بعدما تقدَّمت الدويلات خطوات بالأميال وتوسَّعت مع نفوذها، حتى تجاوزت الحدود إلى الخارج – الداخل الذي لا تختلف حاله عن حال مَن يضع رجلاً في البور وأخرى في الفلاحة.
وعلى عيون كل الناس، وكل الفضائيّات، وكل المبعوثين والمُوفدين والسفارات. وكل الدول العربيَّة وجوارها. وكل دول العالم. أما عن اللبنانيّين وقياداتهم وتيّاراتهم وأحزابهم ومرجعيّاتهم، فحدِّث ولا حرج: لم رأينا لم سمعنا لم حكينا. لكنَّهم أخذوا علماً وخبراً من زمان الوصل بالأندلس. وليسوا كالزوج المخدوع كما يُقال عنهم. بل هم في الحقيقة كالزوج المغلوب على أمره.
على سبيل المثال ليس أكثر، مَنْ لا يعرف حكاية إبريق الزيت؟
ومَنْ مِن هذه الآلاف المؤلَّفة لم يرَ بالعين المجرّدة ويسمع بالأذن السليمة، ويضع يده على الحقائق والوقائع التي فرَّغت الدولة اللبنانيَّة الغرّاء من مضمونها، والذي كان نموذجاً يُحتذى؟
لقد جُرِّدت المؤسَّسات من جميع مسؤولياتها وأحكامها وقوانينها وواجباتها، فغدت لا تختلف عن شاهد الزور. أو شاهد ما شافش حاجة.
أو عبرة لمن اعتبر...
صحيح أن الحكومة السلاميَّة تنتظرها استحقاقات ماليّة، وإنمائيَّة، ومعيشيَّة، واقتصاديَّة ملحَّة لا بدَّ من الالتفات إليها في أوَّل الطريق وقبل أن يغرق لبنان ثانية في بحر الاستحقاق الرئاسي، إلا أن استمرار هيمنة الدويلات و"امتداداتها" على قرار الدولة وتوجُّهاتها قد يحول دون البندين معاً.
إذاً، لا بدَّ من خطوة أساسيَّة في هذا المجال. ولا مهرب من مصارحة الدويلات، والتصرُّف بوضوح وتأكيد على هذا "الوضع الجديد" عَبْر إجراءات وتدابير يتطلَّبها البند الاقتصادي المعيشي، فضلاً عن القرار الكبير بالنسبة إلى متطلّبات انتخاب رئيس جديد للجمهوريَّة.
أجل، الرئيس ميشال سليمان والرئيس تمّام سلام لا تفوتهما هذه الحقائق، بل هذه العقبات التي أحبطت شتّى المحاولات والمبادرات الإصلاحيَّة والتصالحية التي بُذلت سابقاً، والتي ستُبذل لاحقاً.
وخصوصاً بعد ذهاب "حزب الله" بعيداً وعميقاً في انخراطه الحربي على نطاق واسع إلى جانب النظام في سوريا.
لقد أقدم الرئيس سعد الحريري على خطوة توافقية تُسجَّل له ولرحابة صدره، مكَّنت لبنان من مغادرة نفَق المراوحة في ملعب تأليف الحكومة السلاميَّة. وباعتراف الجميع. وها هي الحكومة تنكبُّ على البيان الوزاري، ليُبنى بعده على الشيء مقتضاه.
فهل يُقدم "الحزب" على خطوة مماثلة، فتنفتح مجدّداً أبواب الحوار ويتمُّ الذي فيه النصيب؟
( النهار 24/2/2014 )