مرحلة الشكوى والانتظار

تم نشره الأربعاء 26 شباط / فبراير 2014 01:47 صباحاً
مرحلة الشكوى والانتظار
د.رحيل محمد غرايبة

بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة تركيا، بقي العرب كالأيتام على موائد اللئام، وغرقت الشعوب العربية في حالة من الضعف والتفكك المزري أمام اكبر عملية سطو عالمي في تاريخ البشرية، عندما تقاسمت الدول الاستعمارية الكبرى المنطوية تحت جبهة الحلفاء تركة الإمبراطورية العثمانية حيث ثم اعتبار الوطن العربي وما عليه من سكان من جملة الغنائم، وقسموه أشلاءً  ومناطق نفوذ.

الأشد مرارة في هذا السياق، ما يتعلق بالثقافة السياسية التي سيطرت على الشارع العربي، والدوواين والنخب، حيث تمحورت حول مقولة واحدة: ماذا يريد الأمريكان؟ وماذا يريد الإنجليز؟ ثم تطور الأمر بدخول سؤال ثالث إلى الحوارات السياسية القائمة : ماذا يريد الروس؟

أصبح مقياس الوعي السياسي يتجلى في القدرة على معرفة مخططات هذه الدول، وأصبح التنافس بين المحللين السياسين، وأصحاب الرأي والقوى السياسية المتشكلة يدور حول من يستطيع أن يصف المخطط الأمريكي والصليبي في المنطقة، وأين يتقاطع مع المخطط الروسي وأين يتعارض؟ وماذا يريد اليهود، وكيف عملوا؟ وكيف استطاعوا أن يدخلوا المعادلة السياسية التي تحكم سير الأمور في المنطقة  وتصيغ مستقبلها؟!

منذ كنت طفلاً وأنا استمع لأحاديث متشابهة، تكاد تكون مكررة حول أفعال الإنجليز والأمريكان، وكيف يصنعون العملاء والأنظمة، وكيف يدبرون الانقلابات العسكرية، ويحركون الثورات الشعبية، وكيف يصنعون الأزمات الاقتصادية، ويفبركون المسرحيات ويوزعون الأدوار، وكيف تعلو الأصوات ويدبّ الخلاف بين المتحاورين حول من هو الأكثر قدرة على الوصف، والأكثر مهارة في التعرف على مقاصد القوى الكبرى، ودائماً تنتهي الجلسة بتبادل الاتهامات المصحوبة بأغلظ الأيمان حول مقدار الجهل والمعرفة المتعلقة بالإدارة السامية.

عبرنا القرن الواحد والعشرين، وسقطت امبرطوريات، وتفككت منظومات عالمية، وجرت تحولات كبرى، وأفلت قوى، ونشأت قوى جديدة، على مستوى العالم والكرة الأرضية، وما زال حديث الصالونات السياسية في عالمنا العربي مكرراً، متشابهاً منذ ما يزيد على ثمانين عاماً، وما زال حديث السياسيين ينصب حول وصف مخططات الدول الكبرى والقوى الإقليمية، وما زالت البراعة في الحديث تتجلى في القدرة على كشف ماذا يخطط العالم لنا، وكيف تتم إدارة الملفات المصيرية التي تحكم أقطارنا وشعوبنا، وها أنذا أتجاوز النصف قرن من عمري ولا تكاد جلسة سياسية تخلو حتى هذا الوقت من ذكر (سايكس بيكو) وأصبح سايكس وبيكو اسماً يتردد وثقة تتجدد، وأصبح هذا المصطلح قيداً مقروضاً على كل متحدث وعلى لسان كل محاور، ومرجعية للتفسير التارخي الحتمي الذي تحفظه الأجيال كابراً عن كابر.

لا أنفي المخططات الدولية، ولا أقصد أن أنفي حقيقة المؤامرة التي تعرضت لها الأقطار والشعوب العربية، ولكن ما أود الإشارة اليه بوضوح وصراحة أننا لا نمتلك ثقافة السؤال: ماذا عملنا نحن لأنفسنا؟ وماذا خططنا نحن لأقطارنا؟ وماذا نستطيع أن نعمل؟ وكيف نواجه هذه المخططات؟ لأنني بت أشعر أننا ما زلنا نعيش مرحلة التشكي والانتظار التي طال أمدها، وتكاد تقترب من اتمام القرن، ونحن لم نتجاوز هذه المرحلة من الطفولة والمراهقة السياسية، ومرحلة البكاء ورفع الصوت بالشكوى والأنين، على صعيد الأحزاب والقوى السياسية، وعلى صعيد الشخصيات والقوى الاجتماعية على امتداد الساحة العربية.

لم نستطع أن نحرر عقولنا، من طريقة التفكير التي أصبحت متجذرة في الشخصية العربية، ولم نستطع أن ننجز أي تقدم على صعيد إحداث تغيير ثقافي ينقلنا نحو التجمع على برامج عملية وخطط مستقبيلة تتجاوز حالة الضعف والاستسلام، وحالة التشكي والانتظار.

نأمل من الجيل الجديد أن يتمرد على ثقافة العجز والاستسلام والتخلف، وأن يتحرّر من التقليد الأعمى للنخب البائسة والمتهالكة، وأن يشرع بتشكيل إيجابات جمعية إيجابية للسؤال الكبير: ماذا نستطيع أن نفعل؟ وكيف نستطيع التغلب على ضعفنا، وننطلق نحو البناء؟ وكيف نستطيع نحن الشعوب أن نستثمر فيما لدينا من مقدرات وما نملك من امكانات، دون انتظار للمهدي المنتظر، ودون استغاثة بالأموات وأصحاب القبور، أو انتظار الفرج والتحرير من خارج الحدود.

( الدستور 2014-02-26 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات