الطبقات بين العبور والتسلل!

تم نشره الأربعاء 26 شباط / فبراير 2014 01:50 صباحاً
الطبقات بين العبور والتسلل!
خيري منصور

 حين أهديت كاتبا عربيا كبيرا كتبا جديدة لي لم أجد ما أقوله في الإهداء سوى أنني أقدمها لمثقف عابر للطبقات، وحين التقيته بعد ذلك طلب مني تفسير ما أعنيه بذلك الإهداء، فقلت له على الفور إن من يحرصون على قراءته هم من مختلف الأجيال والطبقات، واتصلت على الفور برجل اعمال من اقاربي لأدعه يوضح لذلك الكاتب ما أعنيه، فقد دخلت ذات يوم الى مكتب رجل الأعمال، فوجدته يستخدم نظارة قراءة اضافة الى مكبّرة كي يقرأ ما كتبه ذلك المثقف عن ظاهرة سياسية رائجة في عالمنا العربي.

وبعد ذلك تذكرت أن هنالك فارقا بين عبور الطبقات و التسلل فيما بينها. فالعبور تعبير عن فائض في التجربة والمعرفة بينما التسلل تعبير عن نقصان الاثنين معا. ورغم تعرض الطبقة الوسطى في معظم المجتمعات العربية الى ما يشبه التلاشي والانقراضي إلا أن ظلالها وتقاليدها وثقافتها ومجمل ادبياتها ما تزال ماثلة.

والتسلل الطبقي له صلة وثيقة بأنماط الانتاج العربية رغم كل ما أصابها من عشوائية فالطبقة الوسطى كانت ذات يوم الحاضنة الدافئة لحراكات سياسية وابداعات وخرج من معاطفها وعباءاتها معا ثوار ومثقفون وناشطون. وتوشك الانتلجنسيا العربية في أغلبها ان تكون من افراز هذه الطبقة.

ما اعنيه بالتسلل هو الاحتكام الى المال فقط في التصنيف الطبقي، بحيث ينعدم الفاصل بين الارستقراطية والبورجوازية سواء أكانت تجارية او عقارية.

 

 

وما يسمى «حكم المال» او تزاوج الثروة مع السلطة في العالم العربي يبقى غامضا وغائما، وبحاجة للكشف والتفصيل، وحين قارن طه حسين قبل اكثر من ستة عقود بين اثرياء العرب واثرياء اوروبا بعد سفره الى باريس لخص هذه الفروق في نقطتين: الاولى ما يمارسه اثرياء اوروبا من خدمات واسهامات في الثقافة الوطنية والثانية في افرازهم لثقافة وادبيات غير عشوائية. لإدراكهم أن السلم الإهلي لا يتم لمجرد اطلاق الشعارات وان عليهم ضريبة اخرى يقررها الضمير وليس الدولة ازاء شعوبهم، حين تبرع بثروة طائلة، وسرعان ما اقتفى خطاه اخرون.

التسلل الطبقي هو تعلق بالمظاهر والاكسسوارات بعيدا عن اية ثقافة او تقاليد، وهذا بالضبط ما تفعله الطبقة الجديدة التي تسمى (نوفوتيش) فهي تعيش فصاما و شيزوفرينيا  بين الظاهر والباطن وتسيطر عليها حالة مرضية يسميها الانجليز (السنوبية) وهي مجرد الاستعراض الذي تمارسه وكأنها تسدد مديونية اجتماعية قديمة، تراكم عليها الكثير من الربا الحضاري لا المادي فقط.

عبور الأجيال وكذلك الطبقات ليس رحلة سهلة، فالنوايا لا تكفي لتحقيقه وعندما يتعلق الأمر بالثقافة فإن هذا العبور باهظ التكلفة لأنه يتطلب من العابر ان يعيش عدة حيوات ويستشعر بالحدس هواجس شجون الآخرين القادمين من المستقبل.

لهذا، فالعبور بهذا المعنى هو نقيض التسلل!

( الدستور 2014-02-26 )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات