معادلة الشباب والإنترنت

انتشر الإنترنت في العالم العربي بسرعة فائقة تعدت وتيرة انتشار تكنولوجيات الاتصال المختلفة التي سبقته سواء تمثل ذلك في التليفزيون أو الراديو أو الصحف أو الهاتف.
وتؤكد الدراسات أن الفئة الأكثر إقبالا على استعمال الإنترنت هي فئة الشباب، وهذه الفئة إذا تكلمنا عن القيم والمبادئ والسلوكيات هي الفئة الأكثر تأثرا بما يبث ويذاع وينشر عبر وسائل الاتصال المختلفة وعلى رأسها الإنترنت. فإقبال الشباب على الإنترنت أصبح ممارسة يومية وجزءا لا يتجزأ من حياته اليومية.
تشير الدراسات إلى أن الشباب ببلوغهم سن الثمانية عشرة يكونون قد قضوا وقتا أكثر أمام التليفزيون من الوقت الذي قضوه في قاعات الدراسة. مع انتشار الإنترنت والانتشار السريع جدا في استعماله والتفاعل معه تتغير المعادلة تماما ويصبح الإنترنت هو الوسيلة الأولى قبل التليفزيون والمدرسة. فالشباب اليوم يتعامل مع الإنترنت في البيت وإن لم يتوفر له ذلك فيكون في المدرسة أو الجامعة، أو الأماكن والساحات العامة وإن تعذر ذلك فيكون في مقهى الإنترنت.
من جهة أخرى نلاحظ أن الإنترنت يتميز عن باقي وسائل الاتصال التي عرفتها البشرية بالتفاعلية وبالتنوع وبغزارة المعلومات وبالاتصال والتحاور والتسامر مع مئات الآلاف مباشرة وبتكاليف بسيطة جدا وفي الكثير من الأحيان بالمجان.
يعتبر الإنترنت من تكنولوجيات الاتصال الأكثر انتشارا والأكثر إثارة للجدل وللعديد من النقاشات والحوارات حول تأثيراتها وانعكاساتها وتداعياتها المختلفة سواء بالإيجاب أو بالسلب. ويرجع الاهتمام الكبير بشبكة الإنترنت إلى عدة عوامل من أهمها: التفاعلية والمعلومات والبيانات والتحليلات والدراسات والنصائح والإرشادات حول العديد من المواضيع والمجالات.
كما تتميز الشبكة بفرص التواصل بين مستعمليها وتوفر لهم خدمات عديدة تساعدهم في إشباع العديد من احتياجاتهم كالحصول على المعلومات والأخبار وكذلك إشباع رغبة التسلية والهروب من الواقع والتفاعل الاجتماعي والاسترخاء والتسلية. فالشبكة إذن تتميز بغزارة المعلومات والتنوع والتفاعلية. ففي ما يخص المعلومات والأخبار نجد أن معظم جرائد ومجلات ومطبوعات وإذاعات وتليفزيونات العالم يتوفر على مواقع على الشبكة.
من جهة أخرى توفر الشبكة خدمات مثل البريد الإلكتروني، والتجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني ومجموعات الدردشة ومجموعات الأخبار والفيسبوك وتويتر وغيرها كثير. فالإنترنت تعتبر تكنولوجيا ووسيلة الاتصال في الألفية الثالثة حيث نجدها في جميع المجالات والميادين كالسياسة والاقتصاد والتجارة والإعلان والمجال الأكاديمي ومجال البحث العلمي ومجال الخدمات ومجال السياحة والاتصال والدبلوماسية والإعلام والتسلية والفن والموسيقى والقائمة قد تطول وتتوسع إلى كل ما يخطر ببال الإنسان.
ما هي إشكالية استعمال الإنترنت من قبل الشباب؟، وما هي استخدامات هذه التكنولوجيا الجديدة؟، وما هي الفوائد أو المساوئ والسلبيات التي يجنيها مستخدمو الإنترنت من إبحارهم وقضائهم ساعات وساعات أمام شاشة الكمبيوتر يتصفحون مئات المواقع وعشرات الآلاف من الصفحات؟، كما أنهم يتسامرون ويتحاورون لساعات وساعات في غالب الأحيان على حساب الدراسة والعائلة والمجتمع والالتزامات العديدة.السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو كيف يستعمل الشباب الإنترنت؟ وهل يحسن استعمال الشبكة في التحصيل العلمي والأكاديمي والمعرفي؟، هل أداء الشباب في المدرسة زاد وتطور؟، هل زاد التحصيل المدرسي عند الشباب؟، وهل تدعمت قيم ومبادئ وأخلاق وسلوك الشباب وفق الدين الإسلامي والقيم الأخلاقية النبيلة؟، هل لعبت الأسرة دورها في توجيه أبنائها لاستعمال هذه التكنولوجيا الجديدة في الاتجاه السليم؟، هل لعبت المدرسة والجامعة دوريهما في تسخير الشبكة لخدمة المنهج الدراسي والجامعي؟.
ما نلاحظه مع الأسف الشديد يدق ناقوس الخطر، فلا العائلة لعبت دورها ولا المدرسة ولا المجتمع والكل يتفرج على واقع يزداد خطورة يوما بعد يوم وعلى انفلات وانجراف لا مثيل لهما سواء من الناحية القيمية أو الناحية الأخلاقية والسلوكية. صحيح أن الشبكة فيها الكثير من الفوائد والإيجابيات كما أنها تحتوي على مواقع عربية وإسلامية تدعم قيم ومبادئ الشباب لكن هذه المواقع ما هي إلا قطرات في محيط يحتوي على مئات الآلاف من المواقع والمعلومات والأطروحات والأفكار والأيديولوجيات.فالمواقع العربية الإسلامية واللغة العربية لا يتعديان واحدا بالمائة مما هو موجود على الشبكة العالمية. ما يفتقد إليه الشباب مع الأسف الشديد هو التحصين والتأطير والتوجيه والإرشاد، وفي ظل انعدام هذه الإجراءات العملية التنظيمية والتوجيهية لاستعمال الإنترنت تكون النتيجة وخيمة على الشباب.
تؤكد الدراسات أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر استخداما للإنترنت وهذه الفئة بالذات هي الفئة التي تتميز في المجتمع بالمغامرة والإثارة والفضول وهي الفئة التي تحاول التمرد على المجتمع وتبني الجديد ومحاولة التأقلم معه، بل في بعض الأحيان الانسلاخ مما هو موجود والبحث عما يأتي من الغير ومن وراء البحار.
من جهة أخرى تعزز الإنترنت الثقافة الفرعية عند الشباب على حساب الثقافة العامة السائدة. ما نلاحظه في معادلة الشباب والإنترنت هو ظاهرة سوء استخدام الشبكة من قبل الشباب أو إدمان هؤلاء للانترنيت وهذا ما يؤدي في غالب الأحيان إلى تداعيات وانعكاسات سلبية على أداء الشباب في المدرسة وفي العائلة وفي المجتمع. وهنا نلاحظ التأثر بالإعلانات المضرة بسلوك الشباب إضافة إلى ظاهرة إقامة علاقات افتراضية غير شرعية مع الجنس الآخر والدخول والإبحار في المواقع الإباحية وغيرها من التصرفات والسلوكيات السلبية التي تخل بشخصية الشباب وبأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم.فكثرة استخدام الإنترنت تؤدي إلى الإحساس بالعزلة وبالانسلاخ الثقافي والحضاري والاجتماعي بحيث أن الشباب يعيش في عالم آخر عبر الإنترنت يكون بعيدا كل البعد عن العالم الواقعي الذي يعيش فيه وهذا ما يؤدي إلى نوع من الانفصام وضعف قيم وأدبيات الاتصال الاجتماعي والانسلاخ عن الواقع وعن النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه الشباب. فالذوبان في الآخر من خلال الإنترنت يؤدي إلى تخصيص وقت كبير جدا لعالم الإنترنت على حساب التواصل العائلي والتواصل مع الأصدقاء ومع الفضاء الطبيعي للشاب. وكنتيجة لكل ما تقدم نجد الشباب يتهرب من مسؤولياته الاجتماعية والتزاماته مع عائلته وزملائه ومدرسته. الاستخدام السيئ للانترنيت في غياب تدخل الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني وفي غياب التشريعات والقوانين والتحصين والتوجيه السليم يؤدي إلى نتائج عكسية حيث يصبح الإنترنت وسيلة للهروب من الواقع الاجتماعي، ووسيلة للهروب من المناخ الطبيعي للشباب والبحث عن مناخ افتراضي لا وجود له أصلا وهذا ما نلاحظه في كثرة الدردشة ومجموعات الأخبار والاستعمالات المكثفة للبريد الإلكتروني. فالاستخدام السلبي للانترنيت وإدمانه يعيقان تطور الفرد وإقباله على التغيير من الداخل كما يؤديان إلى تقليص المحلي لحساب العالمي كما يفرز النزعة الاستهلاكية ويعززها عند الشباب ويشجع كذلك على التقليد بدلا من الابتكار.
( الشرق 8/3/2014 )