مفاوضات بلا آفاق

على أبواب زيارة عباس لواشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكي. من المفترض أن تزداد الضغوطات على الجانب الفلسطيني لتمديد المفاوضات مع إسرائيل. هذه المفاوضات التي لم ولن تسفر هي الأخرى عن أي نتائج سوى المزيد من الاشتراطات الإسرائيلية. فمفاوضات التسعة أشهر هي في حقيقتها كمفاوضات العشرين عاما.. عقيمة. وحتى لو قامت السلطة الفلسطينية بتنفيذ كافة الشروط الإسرائيلية. فإن إسرائيل ستخترع شروطاً جديدة أخرى من النوع التعجيزي حتى تعطّل قيام دولة فلسطينية. لقد سبق لرابين أن تمنى بأن يصحو ذات يوم ويكون البحر قد ابتلع غزة! لسان حال نتنياهو يقول"لو أن الفلسطينيين يختفون من الدنيا". إسرائيل لا تريد أن تكون للفلسطينيين دولة حتى لو كانت عبارة عن حكم ذاتي، ليس إلاّ. لا تريد أن يقوم لهم كيان فكيف بدولة؟! لدى إسرائيل حساسية مرضية من الفلسطينيين ومن دولتهم العتيدة، لذلك فهي اخترعت مجموعة من الشروط الصعبة لتعطيل قيام مثل هكذا دولة. إسرائيل ترى في قيام دولة فلسطينية حتى لو منزوعة السيادة والصلاحيات، نقيضاً لها وعاملاً أساسياً سيلعب دوراً في إنهائها.
من أجل ذلك: ضمّت القدس وأسمتها"العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل" وهي ترفض حق العودة رفضاً قاطعاً. حتى إرجاع بعضهم على قاعدة"لم شمل العائلات" ترفضه إسرائيل. لقد اقترح كلينتون ذلك من قبل. الاقتراح تبناه كيري في إحدى جولاته الأخيرة لكن تل أبيب رفضته. من أجل ذلك: اقترحت مبادلة أراضي المثلث في منطقة 48، بأراضٍ فلسطينية تحوي تجمعات استيطانية كبيرة. هي سلفاً تدرك أن الفلسطينيين في قرى المثلث سيرفضون ذلك. وأن السلطة الفلسطينية لن تقبل هذا الاقتراح ولا بأي حال من الأحوال. لأنه سوف يكون إذنا لبداية ترانسفير لسكان منطقة 48 من الفلسطينيين العرب. إسرائيل طرحت بدايةً ضم ثلاثة تجمعات استيطانية كبيرة في الضفة الغربية. منذ بضعة أسابيع فقط أضاف الكيان تجمعاً استيطانياً جديداً في منطقة رام الله ويضم ثلاث مستوطنات هي: بيت إيل، بساغون، وعوفر، ووفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن نتنياهو أبلغ الإدارة الأمريكية مؤخراً بهذا الاشتراط. التجمعات الاستيطانية الأربعة تضم ما يزيد على 400 ألف مستوطن.
من أجل منع قيام دولة فلسطينية منعاً شاملاً. تصر إسرائيل على شرط جديد وضعته وهو تواجد عسكري إسرائيلي في منطقة الغور على الحدود بين الأردن والضفة الغربية. إسرائيل رفضت تواجد قوات أمريكية أو دولية (مثلما اقترح كيري) وأصرّت وتصّر على تواجد الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، الأمر الذي يعني دخول هذه القوات الأراضي الفلسطينية متى رأت ذلك ضرورياً. لا نكتب خيالاً. فقد سبق لشارون وأن أعاد اجتياح الضفة الغربية في عام 2002! ستمتلك إسرائيل أدنى سبب (إذا ما قبلت السلطة بهذا الأمر) لإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية(مع أنها عملياً محتلة إذا ما تواجدت القوات الإسرائيلية في غور الأردن) بالمعنى الفعلي أنه إذا خرجت قوات الاحتلال من الباب فلسوف تعود من الشباك.
إسرائيل حددت شرطاً جديداً لإجراء التسوية مع الفلسطينيين والعرب يتمثل في ضرورة اعتراف الطرفين "بيهودية دولة إسرائيل". الأمر الذي يعني موافقة فلسطينية وعربية على إجراء إسرائيل لترانسفير آخر لكافة أهلنا في منطقة 48، والاعتراف يعني أيضا صحة الأساطير التضليلية الإسرائيلية من أن"فلسطين هي الأرض التاريخية لليهود" و"شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" وغيرها من الأكاذيب والافتراءات. والذي يعني أيضاً الاعتراف الفلسطيني والعربي بالتاريخ الصهيوني المزور للأرض الفلسطينية. وأنها لا تمت للعروبة والإسلام في أي شيء. وبداية على إمكانية إجراء تسفير وتهجير جديدين للفلسطينيين. تقترح إسرائيل ضم منطقة المثلث إلى المناطق الفلسطينية (وليس إلى الدولة الفلسطينية والفرق كبير بين التعبيرين)!
من أجل قطع كل إمكانية لقيام دولة فلسطينية يحاول المشرّعون الإسرائيليون. تحصين عدم تطرق المفاوضات إلى موضوعي القدس واللاجئين. بسن القوانين التي تحظر على رئيس الحكومة وأي حكومة قادمة وأي وفود إسرائيلية مفاوضة. أن تبحث في أيٍ من هذين الموضوعين على طاولة المفاوضات. إلا بموافقة من الكنيست وموافقة الشارع الإسرائيلي على ذلك من خلال استفتاء. ولأن الميزان السياسي في إسرائيل يتوجه بتسارع كبير نحو زيادة أعداد المتطرفين. فمن الاستحالة بمكان على أي كنيست جديدة أو الشارع في إسرائيل الموافقة على بحث هذين الموضوعين على طاولة المفاوضات. من قبل قامت إسرائيل بضم مدينة القدس في عام 1967 في شهر نوفمبر، ولذلك فإن موضوعة القدس لا تقبل إسرائيل بطرحها على بساط البحث.
بالمعنى الفعلي: سقط خيار الدولتين بالرفض الإسرائيلي له. هذا الرفض يتعزز يوماً بعد يوم. كما أنه "بيهودية دولتها"، تقطع إسرائيل الطريق على حل الدولة الديمقراطية الواحدة أو الدولة ثنائية القومية أو الدولة لكل مواطنيها مثلما يتصور وينادي البعض.
نقول سقط حل الدولتين ليس بطريقة عفوية. وإنما اعتماداً على وقائع كثيرة قلناها. وأخرى تجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متواصلة ومتكاملة. فالاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية بسبب من الأمن الإسرائيلي(مثلما تتذرع إسرائيل) والجدار العنصري العازل قضت على أي إمكانية عملية لقيام دولة فلسطينية. مثلما يقولون ويصفونها"قابلة للحياة". يبقى القول: إن المناداة الفلسطينية والعربية بهذا الحل، هو مطلب تجاوزه الواقع، أي أنه أصبح من الخيال أو مجرد وهم ليس إلا، فالمطالبة لا تعدو كونها هروبا إلى الأمام وفراراً من استحقاقات الواقع. نعم المفاوضات الدائرة حاليا هي بلا آفاق.
( الشرق 15/3/2014 )