ايهما أخطر : الأسود أم القرود ؟!

تم نشره الأحد 16 آذار / مارس 2014 12:36 صباحاً
ايهما أخطر : الأسود أم القرود ؟!
حسين الرواشدة

الفراغ الذي يتركه المعتدلون ، حين نطاردهم بالتضييق او الاستئصال يملؤه في العادة ( المتطرفون) و المتشددون، وعندئذ يمكن ان نلوم هؤلاء على تطرفهم وان نحاسبهم عليه ،لكن قبل ان نلومهم ونحاسبهم لا بد ان نسأل أنفسنا : ما الحكمة من اطفاء اصوات الاعتدال ، وما المصلحة من استبدال الاسود بالقرود ؟

بمناسبة ذكر الاسود و القرود ، تقول احدى القصص ان سكان احدى المناطق في دولة افريقية اشتكوا الى الوالي من وجود بعض الاسود في الغابة المجاورة لهم ، واستأذنوه في قتلها بعد ان اكل بعضها ابناءهم، وافق الوالي على طلبهم وتخلصوا من الاسود ، لكنهم بعد ايام فوجئوا بوجود اسراب من القرود تقتحم عليهم منازلهم ، وتعبث في ممتلكاتهم ، فذهبوا مرة اخرى الى الوالي لكي يستأذنوه بقتلها ، لكنهم فوجئوا عندما تكفلوا بمهمة ( تصفية) القرود ان اعدادها كبيرة ، وانهم كلما قتلوا عددا منها توالدت اخرى ... فأدركوا حينها ان وجود الاسود هو الذي كان يمنع هذه القرود من غزوهم ... فذهبوا واشتروا اسودا اخرى .

حين تدقق في القصة تجد أنها تكررت وماتزال في واقعنا ، خذ - مثلا- ما حدث في مصر خلال العقدين المنصرفين من القرن الماضي ، فقد خرجت جماعات ( العنف) و التكفير من رحم الانسدادات السياسية التي قيدت حركات ( الاعتدال) الاسلامي ( ابرزها الاخوان المسلمون) ، وخذ ما حدث في الجزائر في السنوات العشر الاخيرة من القرن الماضي ، حيث ادى الانقلاب على صناديق الانتخابات التي فاز فيها الاسلاميون الى ظهور جماعات العنف ، ودفعت الجزائر في عشريتها الدموية مئات الالاف من الضحايا و الايتام والمصابين ، وخذ - ثالثا- ما جرى ويجري في العراق ، فقد اختلفت موازين العدالة و الاعتدال ، وتم اختطاف اصوات العقلاء وطردهم من الملة الوطنية لحسابات طائفية ،والنتيجة ما نراه من جماعات احتكمت للسلاح ، وتفجيرات لا تستثني احدا من الابرياء .

كان يمكن لمجتمعاتنا ان تتعايش مع ( الاقوياء) حتى لو كانوا اسودا ، وان تتكيف مع اوضاعهم ومطالبهم ما داموا يتمتعون بقليل من الحكمة ومادام عناوينهم معروفة ، لكنها حين قررت ( الخلاص) منهم وجدت أمامها أصنافا اخرى من البشر (اسف القرود) الذين لا يمكن التفاهم معهم ،ولا يعرف احد من اين يأتون و لا كيف يتصرفون ، وهم بالتالي اخطر من الاسود .

الان ، للأسف تتكررالتجربة نفسها في عالمنا العربي ، فقد ادرج المعتدلون في وصفة الارهاب ،واصبحوا بنظر القانون ( منبوذين) وممنوعين من الحركة او الفعل ، فيما بقي ( المجال) مفتوحا لمن يملأ هذا الفراغ ، وقد حصل ان تسابق اليه هؤلاء الذين لا يريدون ان يقعوا في الفخ الذي وقع فيه غيرهم ،أقصد ( فخ) الاحتكام الى الديمقراطية او القانون ، فاختاروا المواجهة بالعنف ، ووجدوا ان التطرف هو الرد الافضل لاثبات وجودهم و الدفاع عن حقوقهم .

في بلدان العالم التي أنعم الله عليها ( بالديمقراطية) يتصرف الفاعلون في المجالات السياسة ( و غيرها ايضا) تبعا لأوزانهم في الشارع ، هذه التي تقررها الصناديق الانتخابية ومؤشرات ( السوق) وبرامج الخدمات التي يقدمونها للناس ، و بتصرفون بمنطق ( الاسود) فهم جميعا انداد وشركاء ، لا فضل لاحد على احد الا بمقدار ما يبدع في خدمة الناس ، و لا سبيل لطرف ان ينقلب على الاخر او ان يحكم عليه ( بالردة) السياسية او ان يمنعه من الوصول للناس ، او ان يبادره بوصفة ( الارهاب) فالصناديق هي التي تحكم ، والقانون - وحده- كفيل بمطاردة القرود - وما اقلهم- حين يخرجوا على النظام العام او ان يهددوا سلامة المجتمع .

في بلداننا العربية - للأسف- ثمة منطق آخر ، فنحن لا نطيق رؤية ( الاسود) و اذا كان لابد ( فأسد ) واحد (كما في سوريا) ، وهو كفيل بتصفية باقي المحسوبين على (النسل) ، اما القرود فحدث و لا حرج .

اختم بقصة اخرى ، يقال ان سكان احدى المناطق المشهورة باصطياد الثعالب من اجل الحصول على ( فرائها) الثمينة قرروا ان يقتلوا ( الذئاب) التي تعتاش على هذه الثعالب و تشاركهم في ( ثروتها الفرائية) بعد ان تقلصت لهذا السبب ، لكنهم حين نجحوا في قتل الذئاب ، اكتشفوا بأن فراء الثعالب لم يعد كما عهدوه ، فقد اختفى منه (الوبر) وصارت الفراء مجرد جلود يابسة ، وحين استفسروا عن السبب وجدوا ان ( جودة) الفراء تعود الى هرمون ينتعش بسبب الخوف ، بمعنى ان وجود الذئاب كمصدر خوف دائم للثعالب هو الذي يجعلها تنتج فراء جيدة .

حين نسأل عن ( فقر) مجتمعاتنا في المجالات السياسة و العلم والابداع و غيرها لا بأس ان نتذكر دائما بأن غياب ( الذئاب) كمصدر للتهديد يجعل هذه المجتمعات اكثر استرخاء واحساسا بالامن ،لكنه استرخاء يدفع الى الكسل ، وامن يغري على قبول الفقر و الاستمتاع به ...

انتهاء الدردشة

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات