لوحة أردنية جميلة وحقيقة مذهلة

تم نشره الأحد 16 آذار / مارس 2014 12:38 صباحاً
لوحة أردنية جميلة وحقيقة مذهلة
د.رحيل محمد غرايبة

من يرقبْ المشهد الأردني عقب استشهاد القاضي «رائد زعيتر» يصلْ إلى جملة من الحقائق على قدر كبير من الأهمية، وبالغة التأثير في إعادة الذاكرة للشعب الأردني، وذات أثر واضح في تشكيل ذاكرة الجيل القادم، فيما يخص الحاضر والمستقبل، إذْ ينبغي أن يكون ذلك درساً لكل السياسيين ولكل النخب ولكل القوى الاجتماعية.

أجمع الأردنيون بكل اتجاهاتهم وأحزابهم وأعراقهم على تشكيل موقف جمعي موحد يتمثل بضرورة الارتفاع إلى مستوى الحدث، وضرورة امتلاك القدرة على صيانة الكرامة الوطنية وحفظها، وضرورة مغادرة مربع الخنوع والخضوع المذل لمنطق الاحتلال المتغطرس الذي ينطلق من عقيدة عنصرية مريضة تبيح له قتل كل من هو عربي، دون شعور بالذنب، ودون احساس بالجريمة، ودون خوف من توقع العقاب.

الحقيقة الكبرى التي نطق بها المشهد الأردني تقول: إن أغلب المشاكل المستعصية التي يعاني منها الشعبان الأردني والفلسطيني هي نتيجة جريمة «الاحتلال» التي يحاول العدو وحلفاؤه وكل المتواطئين مع هذه الجريمة تسويغ هذا الفعل الشاذ، وإصباغ الشرعية على الاحتلال وأعمال الاستيطان، ويعملون جاهدين على التكيف مع آثار هذا العدوان الغاشم ويدعون كل الأطراف الى التعامل مع هذا الواقع الجديد والاستسلام الناعم لنتائجه الحتمية بعرفهم.

الأردنيون يدركون بفطرتهم أن العدو الأول والأكبر والأشد خطورة على مستقبل الأردن والعرب هو الاحتلال الصهيوني، الذي يشكل رأس الحربة لمشروع الغزو الحضاري الاستعماري الذي تقوده دول الاستكبار العالمي، وأن هذا العدو المحتل لا يقتصر تهديده على فلسطين وشعبها، وإنما يستهدف العالم العربي والإسلامي كله من طنجة إلى جاكارتا، وهو ما يطلقون عليه الشرق الأوسط الجديد، أو الشرق الأوسط الكبير الذي ينبغي أن يبقى مفككاً ومفرقاً وضعيفاً وعاجزاً ومتخلفاً.

جانب من هذه الحقيقة الصارخة يتمثل بأن العدو الصهيوني المحتل، يعمل على نقل مواجهة الفلسطينيين والعرب مع الاحتلال، إلى ساحات أخرى، وخلق أعداء جدد، وخلق صراعات جديدة واصطفافات بديلة، من أجل إشغال الفلسطينيين مع العرب وإشغال العرب بأنفسهم، تحت وقع مشاكل حياتية جديدة وتفصيلية يستجيب لها المغفلون.

وقد استطاع الكيان الصهيوني تحقيق بعض النجاح على صعيد هذه الإستراتيجة الخبيثة في توجيه دفة الصراع، وما يستخدمه من أساليب ووسائل، لصرف الأنظار عن جريمة الاحتلال وأعمال الاستيطان، وما تقوم به من أعمال ممنهجة تتمثل بتفريغ فلسطين من أهلها، بكل السبل وعلى جميع الأصعدة التي تشمل العنف والقتل، وهدم البيوت، وعدم السماح بتجديد البناء وترميمه فضلاً عن البناء الجديد للفلسطينيين في مدنهم وقراهم وأرضهم، بالإضافة إلى استخدام كل وسائل التضييق والمطاردة والإذلال والإهانة على الحواجز الأمنية وعلى الحدود ولكل من يحاول الرجوع إلى فلسطين ولو على سبيل الزيارة المؤقتة، وما حدث مع الشهيد رائد زعيتر يميط اللثام عن وجه من وجوه السياسة الصهيونية الممنهجة التي يدركها الفلسطينيون والعرب بكل وضوح.

هناك قلة قليلة تحاول الاستجابة لمخطط العدو، وتعمل فعلاً على تسهيل مهمة العدو في نقل المواجهة إلى داخل الصف العربي، وحتى هذا المشهد الوطني الرائع الذي نقل الشعبين الأردني والفلسطيني إلى الالتحام في مواجهة العدو المشترك، نجد بعضاً من صناع الفتنة من يخرق هذه القاعدة ويخرب صورة المشهد، ويعود لنبش عوامل الفرقة والتعصب من أجل خلق مواجهات جانبية اعتماداً على تهييج الغرائز، واللعب على وتر المظلومية والتنافس على الغنائم، والصراع على بقايا ماتركه العدو لنا في فلسطين والأردن.

إن العمل على نسيان السبب الحقيقي لمشاكلنا، ومحاولة إشغال الناس بما ترتب على هذا السبب من آثار ونتائج، يمثل شكلاً من أشكال العبث السياسي، ونوعاً من العشى الليلي الذي يصيب بعض المرضى، فيجعلهم عاجزين عن رؤية الخطر الحقيقي، ويؤدي بهم إلى الانخراط في معارك جانبية، ومواجهات عدمية مع أعداء وهميين، بعيداً عن الانخراط في مواجهة العدو المحتل.

(المصدر : الدستور 2014-03-16)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات