تدويل الصراع السياسي الليبي

يبدو أن الصراع السياسي الليبي أصبح محط التدخل الدولي المباشر بعد إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا يجرم فيه محاولة بعض أطراف الصراع بيع النفط بعيدا عن سيطرة الحكومة المركزية. وهو ما حدث خلال الأسابيع الماضية بعد سيطرة هذه الأطراف على بعض الموانئ النفطية ونجاح إحدى ناقلات النفط التي ترفع العلم الكوري الشمالي في حمل شحنة نفط من ميناء السدرة. ولولا تدخل القوات الأمريكية لنجحت في الوصول بها إلى الأسواق العالمية.
وقد تحركت الدول الأوروبية والولايات المتحدة من أجل تقنين الإجراء الذي قامت به القوات الأمريكية خوفا من تدهور الأوضاع في ليبيا لصالح حركات إجرامية أو إرهابية تستطيع السيطرة على منابع النفط في البلاد وبيعه والحصول على أموال تستخدمها في عمليات إرهابية داخل ليبيا أو خارجها ضد المصالح الغربية، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يدين فيه تصدير النفط بعيدا عن السلطات الرسمية. وكذلك يعطي الدول الأعضاء التدابير اللازمة لمنع السفن من تهريب النفط بعيداً عن الحكومة المركزية.
وقد أثار القرار جدلا كبيرا على المستوى الداخلي، حيث يرى البعض أنه يعطي الولايات المتحدة وحلفاءها حق التدخل في الصراع السياسي الداخلي لصالح السلطة الحاكمة بحجة حماية الثروات النفطية. وقد يتعدى هذا التدخل الدعم السياسي إلى حد استهداف الفصائل المؤيدة للانفصال عن السلطة المركزية عبر هجمات عسكرية تنهي القوة العسكرية لهذه الفصائل وتساعد الحكومة المركزية على فرض سيطرتها.
في حين يرى آخرون أن القرار يهدف في الأساس إلى محاولة حسم الملفات الأمنية العالقة في ليبيا من قبل دول ترى ضرورة دعم الحكومة المركزية حفاظا على مصالحها في البلاد. مشيرين إلى تصريحات الرئيس الأمريكي الذي أكد أن تطورات الأحداث في ليبيا تشكل تهديدا استثنائيا للأمن القومي الأمريكي. ويقصد إمكانية استفادة الجماعات الإرهابية لتلك البيئة الرخوة والثروات النفطية الهائلة في توجيه ضربات للمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم.
ولهذا سعت الإدارة الأمريكية لاستصدار القرار من أجل إيجاد غطاء قانوني لتدخلها الأحادي، ربما بعيدا عن القرارات الصادرة سابقا من جهات دولية مختلفة مثل قرارات مجلس الأمن كقرار حماية المدنيين الليبيين رقم 1973 الصادر في مارس 2011، وكذلك قرار مراقبة الحدود الليبية الصادر عن لجنة الأمن والدفاع بالمفوضية الأوروبية يوم 20 مايو 2013.
وتتواتر الأنباء حول قيام الولايات المتحدة بتجهيز قوة تدخل سريع من المارينز قوامها ثمانية آلاف جندي في جنوب إيطاليا من أجل مواجهة التطورات في ليبيا، خاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها المصالح الأمريكية خلال الأشهر الماضية حيث تم مهاجمة القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي وقتل السفير هناك.
وربما الهدف من كل ذلك هو الاستعداد للتطورات التي تجري على الحدود الليبية، وتحديدا في مصر، والتي ستحدد بشكل كبير مستقبل المخطط الأمريكي لاستمرار السيطرة على المنطقة بعد ثورات الربيع العربي.
( الشرق 29/3/2014 )