متى يتغير حال العرب

للأسف لم نترك نحن العرب خيارا لأعدائنا قبل أصدقائنا كي يرونا في العين الجليلة إلا ما تيسر من المجاملات، والتعامل من خلال البروتوكولات المرسومة أو ما تقتضيه المصلحة من خلال الخطاب السياسي الذي لا يفيدنا بشيء حينما نطرح أنفسنا كأمة تنافس في سلم الأمم المتحضرة التي أشبعت الدول فيها مواطنيها بالرخاء الاجتماعي وحققت لهم الأمن والرعاية المناسبة، وأخذت على عاتقها رسم السياسات المستقبلية للأجيال، ما جعل شعوبها ينخرطون طوعا في التعايش مع الآخرين حتى لو كانوا مهاجرين أو من إثنيات وديانات أخرى بالحد المعقول، ذلك أن القوانين التي حكمت بها تلك الدول تأمن الحدود الفاصلة بين الواجبات والحقوق بين الناس، فيما نحن لا نزال نعاني من فقر مدقع في العديد من القوانين والأنظمة، بل أصاب انتماؤنا وهن شديد لأوطاننا.
ورغم أننا كعرب نقدم أنفسنا في تلك الصورة للمزاحمين على الصدارة في سلم الحضارة العالمية وكفاعلين جداً على صعد السياسة والاقتصاد ونمتلك مخزونا هائلا من سير وبطولات وحكايات التاريخ والأدب والتأليف، يقابله مخزون هائل من الثروات النفطية والمعادن، ومئات الملايين من البشر استطاع غالبيتهم هزم الأمية منذ عقود والآلاف منهم برزوا كعباقرة في العلوم والطب، إلا أننا لم نتقدم فعلا في تفكيرنا لتحقيق غاية البشر في التغيير الحقيقي لبنيتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية ولا أنماطها الإنتاجية والاستهلاكية من الناحية الاقتصادية، فنحن كجزء من صورة العالم الثالث، نرى كيف نهضت الشعوب ودولها في شرق العالم الثالث وتطورت دول كانت تعاني من ويلات الاستعمار والحروب الأهلية والفقر والأمراض، وأصبحت خلال عقدين من الزمن تطاول دول الغرب المتطورة، كماليزيا والصين وكوريا وسنغافورا، ونحن تأخرنا عن الجميع بإصرار إلا في مجال واحد هو الصراع والاقتتال وتدمير منجزاتنا والاستهزاء والحط من قدر الشقيق.
إن مجرد فكرة طرح شخصية الإرهابي على أنه ذلك الإنسان العربي الذي يعيش منذ عصر أسلافه وسط صحراء مخيفة، وأنه يحاكي الذئاب والوحوش في نزعته لسفك الدماء والانتقام لمجرد إساءة لفظية جعلتنا سجناء نظرة الدونية في سلم شعوب العالم حتى لو تكلمنا بكل اللغات وامتلكنا أكبر الشركات العالمية أو متعددة الجنسية، سنبقى ذات الشخصية التي روجت لها السينما العالمية والصحافة الغربية التي هيمنت عليها سلطة الصهيونية المتحكمة بالنفوذ المالي والسياسي في الولايات المتحدة وعواصم أوروبا الرئيسية، والأكثر إيلاماً، أننا لم نسعَ لتغيير هذه الصورة في داخلنا وبين أوساطنا الاجتماعية كعرب مسلمين، قبل أن نحاول تغييرها أمام العالم الغربي الذي يمتلك أدوات التصنيف.
وفي اختصار للحالة التي نعاني منها ويغفل عنها السواد الأعظم من شعوب العرب، أود أن أركز على أمرين هامين لم نجدهما في الخطاب الرسمي أو الشعبي العربي.
الأول خطاب الملوك والرؤساء وحكام العرب على أي منبر محلي في مؤتمرات القمة أو الخطابات التلفزيونية، أو عالمي كمنصة الأمم المتحدة والاجتماعات الثنائية، فلم نسمع يوما لرئيس يتحدث عن العرب كأمة حملت الإسلام كدين يحض على التسامح والعدل والتفكير وتحقيق الرخاء للبشر، وأن المشكلة بين العرب والأمم الأخرى هي مشكلة اتصالات وجهل معرفي بالتاريخ، واعتماد مصادر غير عادلة بل ومغرضة، ولم نسمع لأحد يدعو شعوب الغرب مثلا إلى فهم خصائص وعناصر المنطقة العربية بعيدا عن وجود اليهود الأوروبيين الذين قتلتهم أوروبا ولفظتهم دولها، وساعدتهم على أن يتحولوا إلى لصوص عالميين يحتلون أرضا ليست لهم، ويفاوضون اليوم على الاعتراف بدولة أحادية الدين يهودية خالصة، ليس لها مثيل في العالم كله.
أما الثاني فهو الشعوب العربية نفسها التي تصر بشدة على أن تبقى في ذلك الإطار المتخلف ولا تريد أن تتخلص من تلك العقلية البدائية المندثرة، فهي تتقاتل لأتفه سبب، وتحول القتل والسلب والكراهية إلى عادات يومية يمارسها الكثير من مواطني الدول العربية، خصوصا في العراق وبلاد الشام ومصر واليمن وليبيا، وذلك نتيجة فساد السلطة الحاكمة وسياسات الأجهزة المخابراتية والعسكرية والأمنية التي تتركز في أيدي قلة من المسؤولين الفاسدين الذين تتضخم ثرواتهم ومصالحهم، ويرون في سياسة بريطانيا العظمى القديمة "فرق تسدّ" مفتاحا لحل مشاكلهم مع الزمن، فهم يحكمون ويسيطرون ثم يضعون قوانين على مقاسات جيوبهم لتصبح سيفا مصلتا على رقاب الشعب، والأخير لم يصل حتى اليوم إلى المستوى الذي يعرف كيف يخطط ليأتلف ويتشارك ويضحي ليحدث انقلابا في مسيرة حياته دون دفع الثمن الباهظ مقابل الحصول على بعض الإثارة التي تتحول إلى كراهية دائمة.
إن ما نراه يحدث في سوريا ومصر والعراق ومثله في اليمن ولبنان يؤكد أننا كشعوب لم نصل بعد إلى مرحلة امتلاك السيادة الحرة على أنفسنا، فلا نزال نعيش في حالة العبودية للفرد الحاكم بأي طريقة، ومجرد الانقسام الشعبي، طرف معارض وطرف يؤيد الدكتاتور الرسمي، يدفعنا للشعور بحالة هلع من مصير هذه الأمة التي لا تريد التخلص من إرثها المتخلف الذي يرانا من خلاله العالم الغربي، ولن نتغير إذا لم نر الحاكم بصورة الإنسان الذي يخطئ ويكره ويحقد أيضا، ويجب إخضاعه لقانون يحيله للمحاكمة شأنه شأن أي مواطن آخر من خلال منظومة دستورية تحقق الديمقراطية وتمثيل الشعب بحق لا التمثيل عليه.
أما إذا بقي الحاكم في صورة ذلك الإله المقدس عند البشر، سنبقى مجرد أغنام في مزرعة النظام الحاكم، ولن يتنحى بشار الأسد لو مات كل السوريين، وسيأتي السيسي غصبا على 90 مليون مصري، ولن يستقيل نوري المالكي لو تحول الفرات إلى نهر من الدماء، وسنبقى أولئك العرب المتخلفين حتى لو نمنا على سطح القمر أو أصبح الجاهل فينا عالما في الطب أو تحولت لغتنا الأم إلى الإنجليزية أو سبحنا في بحيرة من العطور الفرنسية، سنبقى ذلك الأعرابي المتسخ الممتطي لبعيره وسط الصحراء، وهذا قليل علينا حينها.
( الشرق 12/4/2014 )